وجه المسارقة * (فأتبعه) * يعني لحقه وأصابه يقال تبعه وأتبعه إذا مضى في أثره وأتبعه إذا لحقه وأصله من قوله تعالى: * (فأتبعه الشيطان) * (الأعراف: 175) وقد مر تفسيره وقوله تعالى: * (شهاب ثاقب) * قال الحسن ثاقب أي مضيء وأقول سمي ثاقبا لأنه يثقب بنوره الهواء، قال ابن عباس في تفسير قوله: * (والنجم الثاقب) * (الطارق: 3) قال: إنه رجل سمي بذلك لأنه يثقب بنوره سمك سبع سماوات والله أعلم.
* (فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنآ إنا خلقناهم من طين لازب) * في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في بيان النظم اعلم أنا قد ذكرنا أن المقصد الأقصى من هذا الكتاب الكريم إثبات الأصول الأربعة وهي الإلهيات والمعاد والنبوة وإثبات القضاء والقدر. فنقول إنه تعالى افتتح هذه السورة بإثبات ما يدل على وجود الصانع ويدل على وحدانيته وهو خلق السماوات والأرض وما بينهما وخلق المشارق والمغارب، فلما أحكم الكلام في هذا الباب فرع عليها إثبات القول بالحشر والنشر والقيامة.
واعلم أن الكلام في هذه المسألة يتعلق بطرفين أولهما إثبات الجواز العقلي وثانيهما إثبات الوقوع أما الكلام في المطلوب الأول فاعلم أن الاستدلال على الشيء يقع على وجهين أحدهما: أن يقال إنه قدر على ما هو أصعب وأشد وأشق منه فوجب أيضا أن يقدر عليه والثاني: أن يقال إنه قدر عليه في إحدى الحالتين والفاعل والقابل باقيين كما كانا، فوجب أن تبقى القدرة عليه في الحالة الثانية والله تعالى ذكر هذين الطريقين في بيان أن القول بالبعث والقيامة أمر جائز ممكن. أما الطريق الأول: فهو المراد من قوله: * (فاستفتهم أهم أشد خلقا) * والتقدير كأنه تعالى يقول: استفت يا محمد هؤلاء المنكرين أهم أشد خلقا من خلق السماوات والأرض وما بينهما وخلق المشارق والمغارب وخلق الشياطين الذين يصعدون الفلك، ولا شك أنهم يعترفون بأن خلق هذا القسم أشق وأشد في العرف من خلق القسم الأول، فلما ثبت بالدلائل المذكورة في إثبات التوحيد كونه تعالى قادرا على هذا القسم الذي هو أشد وأصعب، فبأن يكون قادرا على إعادة الحياة في هذه الأجساد كان أولى، ونظير هذه الدلالة قوله تعالى في آخر يس * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) * (يس: 81) وقوله تعالى: * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) * (غافر: 57) وأما الطريق الثاني: فهو المراد من قوله: * (إنا خلقناهم من طين لازب) * والمعنى أن هذه الأجسام قابلة للحياة إذ لو لم تكن قابلة للحياة لما صارت حية في المرة الأولى والإله قادر على خلق هذه الحياة في هذه الأجسام، ولولا كونه تعالى قادرا على هذا المعنى لما حصلت الحياة في المرة الأولى، ولا شك أن قابلية تلك الأجسام باقية وأن قادرية الله تعالى باقية لأن هذه القابلية وهذه القادرية من الصفات الذاتية فامتنع زوالها فثبت بهذين الطريقين أن القول بالبعث والقيامة أمر