المسألة الأولى: قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي * (من الأشرار اتخذناهم) * بوصل ألف * (اتخذناهم) * والباقون بفتحها على الاستفهام، قال أبو عبيد وبالوصل يقرأ لأن الاستفهام متقدم في قوله: * (ما لنا لا نرى رجالا) *، ولأن المشركين لا يشكون في اتخاذهم المؤمنين في الدنيا سخريا، لأنه تعالى قد أخبر عنهم بذلك في قوله: * (فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري) * (المؤمنون: 110) فكيف يحسن أن يستفهموا عن شيء علموه؟ أجاب الفراء عنه بأن قال هذا من الاستفهام الذي معناه التعجيب والتوبيخ، ومثل هذا الاستفهام جائز عن الشيء المعلوم، أما وجه قول من ألحق الهمزة للاستفهام أنه لا بد من المصير إليه ليعادل قوله: * (اتخذناهم) * بأم في قوله: * (أم زاغت فيهم) * فإن قيل فما الجملة المعادلة لقوله: * (أم زاغت) * على القراءة الأولى؟ قلنا إنها محذوفة والمعنى المقصودون أم زاغت عنهم الأبصار.
المسألة الثانية: قرأ نافع * (سخريا) * بضم السين والباقون بكسرها، وقيل هما بمعنى واحد وقيل بالكسر هو الهزء وبالضم هو التذليل والتسخير.
المسألة الثالثة: اختلفوا في نظم الآية على قولين بناء على القراءتين المذكورتين أما القراءة على سبيل الإخبار فالتقدير ما لنا لا نراهم حاضرين لأجل أنهم لحقارتهم تركوا، أو لأجل أنهم زاغت عنهم الأبصار. ووقع التعبير عن حقارتهم بقولهم * (اتخذناهم سخريا) * وأما القراءة على سبيل الاستفهام، فالتقدير لأجل أنا قد اتخذناهم سخريا وما كانوا كذلك فلم يدخلوا النار، أم لأجل أنه زاغت عنهم الأبصار، واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذه المناظرة قال إن ذلك الذي حكينا عنهم لحق لا بد وأن يتكلموا به، ثم بين أن الذي حكيناه عنهم ما هو، فقال: * (تخاصم أهل النار) * وإنما سمى الله تعالى تلك الكلمات تخاصما لأن قول الرؤساء * (لا مرحبا بهم) * وقول الأتباع * (بل أنتم لا مرحبا بكم) * من باب الخصومة.
قوله تعالى * (قل إنمآ أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار * رب السماوات والارض وما بينهما العزيز الغفار * قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون * ما كان لى من علم بالملإ الاعلى إذ يختصمون * إن يوحى إلى إلا أنمآ أنا نذير مبين) *