الله موصوفون بأنهم عند المكاشفات والمشاهدات، تارة تقشعر جلودهم وأخرى تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. وليس فيه أن عقولهم تزول وأن أعضاءهم تضطرب، فدل هذا على أن تلك الأحوال لو حصلت لكانت من الشيطان، وأقول ههنا بحث آخر وهو أن الشيخ أبا حامد الغزالي أورد مسألة في كتاب إحياء علوم الدين، وهي أنا نرى كثيرا من الناس يظهر عليه الوجد الشديد التام عند سماع الأبيات المشتملة على شرح الوصل والهجر، وعند سماع الآيات لا يظهر عليه شيء من هذه الأحوال، ثم إنه سلم هذا المعنى وذكر العذر فيه من وجوه كثيرة، وأنا أقول: إني خلقت محروما عن هذا المعنى، فإني كلما تأملت في أسرار القرآن اقشعر جلدي وقف على شعري وحصلت في قلبي دهشة وروعة، وكلما سمعت تلك الأشعار غلب الهزل علي وما وجدت البتة في نفسي منها أثرا، وأظن أن المنهج القويم والصراط المستقيم هو هذا، وبيانه من وجوه الأول: أن تلك الأشعار كلمات مشتملة على وصل وهجر وبغض وحب تليق بالخلق، وإثباته في حق الله تعالى كفر، وأما الانتقال من تلك الأحوال إلى معان لائقة بجلال الله فلا يصل إليها إلا العلماء الراسخون في العلم، وأما المعاني التي يشتمل عليها القرآن فهي أحوال لائقة بجلال الله، فمن وقف عليها عظم الوله في قلبه، فإن من كان عنده نور الإيمان وجب أن يعظم اضطرابه عند سماع قوله: * (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) * (الأنعام: 59) إلى آخر الآية والثاني: وهو أني سمعت بعض المشايخ قال كما أن الكلام له أثر فكذلك صدور ذلك الكلام من القائل المعين له أثر، لأن قوة نفس القائل تعين على نفاذ الكلام في الروح، والقائل في القرآن هنا هو الله بواسطة جبريل بتبليغ الرسول المعصوم، والقائل هناك شاعر كذاب مملوء من الشهوة وداعية الفجور والثالث: أن مدار القرآن على الدعوة إلى الحق قال تعالى: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * (الشورى: 52، 53) وأما الشعر فمداره على الباطل قال تعالى: * (والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون) * (الشعراء: 224، 226) فهذه الوجوه الثلاثة فروق ظاهرة، وأما ما يتعلق بالوجدان من النفس فإن كل أحد إنما يخبر عما يجده من نفسه والذي وجدته من النفس والعقل ما ذكرته والله أعلم.
المسألة الثالثة: في بيان ما بقي من المشكلات في هذه الآية ونذكرها في معرض السؤال والجواب.
السؤال الأول: كيف تركيب لفظ القشعريرة الجواب: قال صاحب " الكشاف " تركيبه من حروف التقشع وهو الأديم اليابس مضموما إليها حرف رابع وهو الراء ليكون رباعيا ودالا على معنى زائد يقال: اقشعر جلده من الخوف وقف شعره، وذلك مثل في شدة الخوف.
السؤال الثاني: كيف قال: * (تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) * وما الوجه في تعديه