قوله تعالى * (أءنزل عليه الذكر من بيننا بل هم فى شك من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب * أم عندهم خزآئن رحمة ربك العزيز الوهاب * أم لهم ملك السماوات والارض وما بينهما فليرتقوا فى الاسباب * جند ما هنالك مهزوم من الاحزاب) * اعلم أن هذا هو الشبهة الثالثة لأولئك الكفار وهي الشبهة المتعلقة بالنبوات وهي قولهم إن محمدا لما كان مساويا لغيره في الذات والصفات والخلقة الظاهرة والأخلاق الباطنة فكيف يعقل أن يختص هو بهذا الدرجة العالية والمنزلة الشريفة؟ وهو المراد من قولهم: * (أأنزل عليه الذكر من بيننا) * فإنه استفهام على سبيل الإنكار، وحكى الله تعالى عن قوم صالح أنه قالوا مثل هذا القول فقالوا: * (أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشهر) * (القمر: 25) وحكى الله تعالى عن قوم محمد صلى الله عليه وسلم أيضا أنهم قالوا: * (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 31) وتمام الكلام في تقرير هذه الشبهة: أنهم قالوا النبوة أشرف المراتب، فوجب أن لا تحصل إلا لأشرف الناس ومحمد ليس أشرف الناس، فوجب أن لا تحصل له والنبوة، والمقدمتان الأوليان حقيتان لكن الثالثة كاذبة وسبب رواج هذا التغليط عليهم أنهم قالوا النبوة أشرف المراتب، فوجب أن لا تحصل إلا لأشرف الناس ومحمد ليس أشرف الناس، فوجب أن لا تحصل له والنبوة، والمقدمتان الأوليان حقيتان لكن الثالثة كاذبة وسبب رواج هذا التغليظ عليهم أنهم ظنوا أن الشرف لا يحصل إلا بالمال والأعوان وذلك باطل، فإن مراتب السعادة ثلاثة أعلاها هي النفسانية وأوسطها هي البدنية وأدونها هي الخارجية وهي المال والجاه، فالقوم عكسوا القضية وظنوا بأخس المراتب أشرافها فلما وجدوا المال والجاه عند غيره أكثر ظنوا أن غيره أشرف منه، فحينئذ انعقد هذا القياس الفاسد في أفكارهم، ثم إنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة من وجوه الأول: قوله تعالى: * (بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب) * وفيه وجهان أحدهما: أن قوله: * (بل هم في شك من ذكري) * أي من الدلائل التي لو نظروا فيها لزال هذا الشك عنهم وذلك لأن كل ما ذكروه من الشبهات فهي كلمات ضعيفة وأما الدلائل التي تدل بنفسها على صحة نبوته، فهي دلائل قاطعة فلو تأملوا حق التأمل في الكلام لوقفوا على ضعف الشبهات التي تمسكوا بها في إبطال النبوة، ولعرفوا صحة الدلائل الدالة على صحة نبوته، فحيث لم يعرفوا ذلك كان لأجل أنهم تركوا النظر والاستدلال، فأما قوله تعالى: * (بل لما
(١٧٩)