المسألة الثانية: كون القرآن أحسن الحديث، إما أن يكون أحسن الحديث بحسب لفظه أو بحسب معناه.
القسم الأول: أن يكون أحسن الحديث بحسب لفظه وذلك من وجهين: الأول: أن يكون ذلك الحسن لأجل الفصاحة والجزالة الثاني: أن يكون بحسب النظم في الأسلوب، وذلك لأن القرآن ليس من جنس الشعر، ولا من جنس الخطب. ولا من جنس الرسائل، بل هو نوع يخالف الكل، مع أن كل ذي طبع سليم يستطيبه ويستلذه.
القسم الثاني: أن يكون كونه أحسن الحديث لأجل المعنى، وفيه وجوه: الأول: أنه كتاب منزه عن التناقض، كما قال تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (النساء: 82) ومثل هذا الكتاب إذا خلا عن التناقض كان ذلك من المعجزات الوجه الثاني: اشتماله على الغيوب الكثيرة في الماضي والمستقبل الوجه الثالث: أن العلوم الموجودة فيه كثيرة جدا.
وضبط هذه العلوم أن نقول: العلوم النافعة هي ما ذكره الله في كتابه في قوله: * (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) * (البقرة: 285) فهذا أحسن ضبط يمكن ذكره للعلوم النافعة.
أما القسم الأول: وهو الإيمان بالله، فاعلم أنه يشتمل على خمسة أقسام: معرفة الذات والصفات والأفعال والأحكام والأسماء. أما معرفة الذات فهي أن يعلم وجود الله وقدمه وبقاءه. وأما معرفة الصفات فهي نوعان:
أحدهما: ما يجب تنزيهه عنه، وهو كونه جوهرا ومركبا من الأعضاء والأجزاء وكونه مختصا بحيز وجهة، ويجب أن يعلم أن الألفاظ الدالة على التنزيه أربعة: ليس ولم وما ولا، وهذه الأربعة المذكورة، مذكورة في كتاب الله تعالى لبيان التنزيه.
أما كلمة ليس، فقوله: * (ليس كمثله شيء) * (الشورى: 11) وأما كلمة لم، فقوله: * (لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد) * (الإخلاص: 3، 4) وأما كلمة ما، فقوله: * (وما كان ربك نسيا) * (مريم: 64)، * (ما كان لله أن يتخذ من ولد) * (مريم: 35) وأما كلمة لا، فقوله تعالى: * (لا تأخذه سنة ولا نوم) * (البقرة: 255)، * (وهو يطعم ولا يطعم) * (الأنعام: 14)، * (وهو يجير ولا يجار عليه) * (المؤمنون: 88)، وقوله في سبعة وثلاثين موضعا من القرآن * (لا إله إلا الله) * (محمد: 19).
وأما النوع الثاني: وهي الصفات التي يجب كونه موصوفا بها من القرآن فأولها العلم بالله، والعلم بكونه محدثا خالقا، قال تعالى: * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض) * (الأنعام: 1) وثانيها: العلم بكونه قادرا، قال تعالى في أول سورة القيامة * (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) * (القيامة: 4) وقال في آخر هذه السورة * (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) * (القيامة: 40) وثالثها: العلم بكونه تعالى عالما، قال تعالى: * (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة) * (الحشر: 22) ورابعها: العلم بكونه عالما بكل المعلومات، قال تعالى: * (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) * (الأنعام: 59) وقوله تعالى: * (الله يعلم ما تحمل كل أنثى) * (الرعد: 8) وخامسها: العلم