المسألة الخامسة: * (وما كنا منزلين) * أية فائدة فيه مع أن قوله: * (وما أنزلنا) * يستلزم أنه لا يكون من المنزلين؟ نقول قوله: * (وما كنا) * أي ما كان ينبغي لنا أن ننزل لأن الأمر كان يتم بدون ذلك فما أنزلنا وما كنا محتاجين إلى إنزال، أو نقول: * (وما أنزلنا... وما كنا منزلين) * في مذل تلك الواقعة جندا في غير تلك الواقعة، فإن قيل فكيف أنزل الله جنودا في يوم بدر وفي غير ذلك حيث قال: * (وأنزل جنودا لم تروها) * (التوبة: 26)؟ نقول ذلك تعظيما لمحمد صلى الله عليه وسلم وإلا كان تحريك ريشة من جناح ملك كافيا في استئصالهم وما كان رسل عيسى عليه السلام في درجة محمد صلى الله عليه وسلم.
* (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) * ثم بين الله تعالى ما كان بقوله: * (إن كانت) * الواقعة * (إلا صيحة) * وقال الزمخشري أصله إن كان شيء إلا صيحة فكان الأصل أن يذكر، لكنه تعالى أنث لما بعده من المفسر وهو الصيحة. وقوله تعالى: * (واحدة) * تأكيد لكون الأمر هينا عند الله. وقوله تعالى: * (فإذا هم خامدون) * فيه إشارة إلى سرعة الهلاك فإن خمودهم كان من الصيحة وفي وقتها لم يتأخر، ووصفهم بالخمود في غاية الحسن وذلك لأن الحي فيه الحرارة الغريزية وكلما كانت الحرارة أوفر كانت القوة الغضبية والشهوانية أتم وهم كانوا كذلك، أما الغضب فإنهم قتلوا مؤمنا كان ينصحهم، وأما الشهوة فلأنهم احتملوا العذاب الدائم بسبب استيفاء اللذات الحالية فإذن كانوا كالنار الموقدة، ولأنهم كانوا جبارين مستكبرين كالنار ومن خلق منها فقال: * (فإذا هم خامدون) * وفيه وجه آخر: وهو أن العناصر الأربعة يخرج بعضها عن طبيعته التي خلقه الله عليها ويصير العنصر الآخر بإرادة الله فالأحجار تصير مياها، والمياه تصير أحجارا وكذلك الماء يصير هواء عند الغليان والسخونة والهواء يصير ماء للبرد ولكن ذلك في العادة بزمان، وأما الهواء فيصير نارا والنار تصير هواء بالاشتعال والخمود في أسرع زمان، فقال خامدين بسببها فخمود النار في السرعة كإطفاء سراج أو شعلة.
* (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون) * ثم قال تعالى: * (يا حسرة على العباد) * أي هذا وقت الحسرة فاحضري يا حسرة والتنكير للتكثير، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الألف واللام في العباد يحتمل وجهين أحدهما: للمعهود وهم الذين أخذتهم الصيحة فيا حسرة على أولئك وثانيهما: لتعريف الجنس جنس الكفار المكذبين.
المسألة الثانية: من المتحسر؟ نقول فيه وجوه الأول: لا متحسر أصلا في الحقيقة إذ المقصود بيان أن ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عند تحقيق العذاب.