ليأكلوا من ثمر الله وفيه لطيفة: وهي أن الثمار بعد وجود الأشجار وجريان الأنهار لم توجد إلا بالله تعالى ولولا خلق الله ذلك لم توجد فالثمر بعد جميع ما يظن الظان أنه سبب وجوده ليس إلا بالله تعالى وإرادته فهي ثمره، ويحتمل أن يعود إلى النخيل وترك الأعناب لحصول العلم بأنها في حكم النخيل ويحتمل أن يقال هو راجع إلى المذكور أي من ثمر ما ذكرنا، وهذان الوجهان نقلهما الزمخشري، ويحتمل وجها آخر أغرب وأقرب وهو أن يقال المراد من الثمر الفوائد يقال ثمرة التجارة الربح ويقال ثمرة العبادة الثواب، وحينئذ يكون الضمير عائدا إلى التفجير المدلول عليه بقوله: * (وفجرنا فيها من العيون) * تفجيرا ليأكلوا من فوائد ذلك التفجير وفوائده أكثر من الثمار بل يدخل فيه ما قال الله تعالى: * (أنا صببنا الماء صبا) * (عبس: 25) إلى أن قال: * (فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقصبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وأبا) * (عبس: 27 - - - - 31) والتفجير أقرب في الذكر من النخيل، ولو كان عائدا إلى الله لقال من ثمرنا كما قال (وجعلنا) (وفجرنا).
المسألة الثالثة: ما في قوله: * (وما عملته) * من أي الماءات هي؟ نقول فيها وجوه أحدها: نافية كأنه قال: وما عملت التفجير أيديهم بل الله فجر وثانيها: موصولة بمعنى الذي كأنه قال والذي عملته أيديهم من الغراس بعد التفجير يأكلون مه أيضا ويأكلون من ثمر الله الذي أخرجه من غير سعي من الناس، فعطف الذي عملته الأيدي على ما خلقه الله من غير مدخل للإنسان فيها وثالثها: هي مصدرية على قراءة من قرأ (وما عملت) من غير ضمير عائد معناه ليأكلوا من ثمره وعمل أيديهم يعني يغرسون والله ينبتها ويخلق ثمرها فيأكلون مجموع عمل أيديهم وخلق الله، وهذا الوجه لا يمكن على قراءة من قرأ مع الضمير.
المسألة الرابعة: على قولنا ما موصولة، يحتمل أن يكون بمعنى وما عملته أي بالتجارة كأنه ذكر نوعي ما يأكل الإنسان بهما، وهما الزراعة والتجارة، ومن النبات ما يؤكل من غير عمل الأيدي كالعنب والتمر وغيرهما ومنه ما يعمل فيه عمل صنعة فيؤكل كالأشياء التي لا تؤكل إلا مطبوخة أو كالزيتون الذي لا يؤكل إلا بعد إصلاح، ثم لما عدد النعم أشار إلى الشكر بقوله: * (أفلا يشركون) * وذكر بصيغة الاستفهام لما بينا من فوائد الاستفهام فيما تقدم. ثم قال تعالى:
* (سبحان الذى خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) * قد ذكرنا أن لفظة سبحان علم دال على التسبيح وتقديره سبح تسبيح الذي خلق الأزواج كلها، ومعنى سبح نزه، ووجه تعلق الآية بما قبلها هو أنه تعالى لما قال: * (أفلا تشكرون) * (يس: 35) وشكر