ثم قال تعالى: * (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) * بيانا لغناه وفيه بلاغة كاملة وبيانها أنه تعالى قال: * (إن يشأ يذهبكم) * أي ليس إذهابكم موقوفا إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه، فإن المحتاج لا يقول فيه إن يشأ فلان هدم داره وأعدم عقاره، وإنما يقول لولا حاجة السكنى إلى الدار لبعتها أو لولا الافتقار إلى العقار لتركتها، ثم إنه تعالى زاد بيان الاستغناء بقوله: * (ويأت بخلق جديد) * يعني إن كان يتوهم متوهم أن هذا الملك له كمال وعظمة فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر بأن يخلق خلقا جديدا أحسن من هذا وأجمل وأتم وأكمل.
* (وما ذلك على الله بعزيز) *.
ثم قال تعالى: * (وما ذلك على الله بعزيز) * أي الإذهاب والإتيان وههنا مسألة: وهي أن لفظ العزيز استعمله الله تعالى تارة في القائم بنفسه حيث قال في حق نفسه: * (وكان الله قويا عزيزا) * وقال في هذه السورة: * (إن الله عزيز غفور) * واستعمله في القائم بغيره حيث قال: * (وما ذلك على الله بعزيز) * وقال: * (عزيز عليه ما عنتم) * فهل هما بمعنى واحد أم بمعنيين؟ فنقول العزيز هو الغالب في اللغة يقال من عزيز أي من غلب سلب، فالله عزيز أي غالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخص يقال هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله: * (وما ذلك على الله بعزيز) * أي لا يغلب الله ذلك الفعل بل هو هين على الله وقوله: * (عزيز عليه ما عنتم) * أي يحزنه ويؤذيه كالشغل الغالب.
وقوله تعالى: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) * متعلق بما قبله، وذلك من حيث إنه تعالى لما بين الحق بالدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ذكر ما يدعوهم إلى النظر فيه فقال: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * أي لا تحمل نفس ذنب نفس فالنبي صلى الله عليه وسلم لو كان كاذبا في دعائه لكان مذنبا وهو معتقد بأن ذنبه لا تحملونه أنتم فهو يتوقى ويحترز، والله تعالى غير فقير إلى عبادتكم فتفكروا واعلموا أنكم إن ضللتم فلا يحمل أحد عنكم وزركم وليس كما يقول: * (أكابركم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (وازرة) * أي نفس وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر أخرى ولا جمع بين الموصوف والصفة فلم يقل ولا تزر نفس وازرة وزرة أخرى لفائدة أما الأول: فلأنه لو قال ولا تزر نفس وزر أخرى، لما علم أن كل نفس وازرة مهمومة بهم وزرها متحيرة في أمرها ووجه آخر: وهو أن قول القائل ولا تزر نفس وزر أخرى، قد يجتمع معها أن