وأبو عبيدة والأخفش: هما لغتان من فواق الناقة. وهو ما بين حلبتي الناقة وأصله من الرجوع، يقال أفاق من مرضه، أي رجع إلى الصحة، فالزمان الحاصل بين الحلبتين لعود اللبن إلى الضرع يسمى فواقا بالفتح وبالضم، كقولك قصاص الشعر وقصاصه، قال الواحدي: والفواق والفواق إسمان من الأفاقة، والأفاقة معناها الرجوع والسكون كأفاقة المريض، إلا أن الفواق بالفتح يجوز أن يقام مقام المصدر، والفواق بالضم اسم لذلك الزمان الذي يعود فيه اللبن إلى الضرع، وروى الواحدي في البسيط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية: " يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الفزع، قال فيمدها ويطولها " وهي التي يقول: * (ما لها من فواق) * ثم قال الواحدي: وهذا يحتمل معنيين أحدهما: ما لها سكون والثاني: ما لها رجوع، والمعنى ما تسكن تلك الصيحة ولا ترجع إلى السكون، ويقال لكل من بقي على حالة واحدة، إنه لا يفيق منه ولا يستفيق، والله أعلم.
قوله تعالى: * (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب * اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب) *.
اعلم أنا ذكرنا في تفسير قوله: * (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب) * (ص: 4) أن القوم إنما تعجبوا لشبهات ثلاثة أولها: تتعلق بالإلهيات، وهو قوله: * (أجعل الآلهة إلها واحدا) * والثانية: تتعلق بالنبوات، وهو قوله: * (أأنزل عليه الذكر من بيننا) * (ص: 8) والثالثة: تتعلق بالمعادة، وهو قوله تعالى: * (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) * وذلك لأن القوم كانوا في نهاية الإنكار للقول بالحشر والنشر، فكانوا يستدلون بفساد القول بالحشر والنشر على فساد نبوته، والقط والقطعة من الشيء لأنه قطع منه من قطه إذا قطعه ويقال لصحيفة الجائزة قط، ولما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد المؤمنين بالجنة، قالوا على سبيل الاستهزاء: عجل لنا نصيبنا من الجنة، أو عجل لنا صحيفة أعمالنا حتى ننظر فيها.
واعلم أن الكفار لما بالغوا في السفاهة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إنه ساحر كذاب وقالوا له على سبيل الاستهزاء: * (عجل لنا قطنا) * أمره الله بالصبر على سفاهتهم، فقال: * (اصبر على ما يقولون) * فإن قيل. أي تعلق بين قوله: * (اصبر على ما يقولون) * وبين قوله: * (واذكر عبدنا داود) *؟ قلنا بيان هذا التعلق من وجوه الأول: كأنه قيل إن كنت قد شاهدت من هؤلاء الجهال جرائتهم على الله وإنكارهم الحشر والنشر، فاذكر قصة داود حتى تعرف شدة خوفه من الله تعالى ومن