أقرب الطرق الموصلة إلى المقصد والدين كذلك فإنه توجه إلى الله تعالى وتولى عن غيره والمقصد هو الله والمتوجه إلى المقصد أقرب إليه من المولى عنه والمتحرف منه ولا يذهب فهم أحد إلى أن قوله إنك منهم على صراط مستقيم مميز له عن غيره كما يقال إن محمدا من الناس مجتبى لأن جميع المرسلين على صراط مستقيم، وإنما المقصود بيان كون النبي صلى الله عليه وسلم على الصراط المستقيم الذي يكون عليه المرسلون وقوله: * (على صراط مستقيم) * فيه معنى لطيف يعلم منه فساد قول المباحية الذين يقولون المكلف يصير واصلا إلى الحق فلا يبقى عليه تكليف وذلك من حيث إن الله بين أن المرسلين ما داموا في الدنيا فهم سالكون سائحون مهتدون منتهجون إلى السبيل المستقيم فكيف ذلك الجاهل العاجز.
* (تنزيل العزيز الرحيم) *.
وقوله تعالى: * (تنزيل العزيز الرحيم) * قرىء بالجر على أنه بدل من القرآن كأنه قال: * (والقرآن الحكيم، تنزيل العزيز الرحيم، إنك لمن المرسلين لتنذر) * وقرئ بالنصب وفيه وجهان أحدهما: أنه مصدر فعله منوي كأنه قال نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر ويكون تقديره نزل القرآن أو الكتاب الحكيم والثاني: أنه مفعول فعل منوي كأنه قال والقرآن الحكيم أعني تنزيل العزيز الرحيم إنك لمن المرسلين لتنذر، وهذا ما اختاره الزمخشري وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ منوي كأنه قال هذا تنزيل العزيز الرحيم لتنذر ويحتمل وجها آخر على هذه القراءة وهو أن يكون مبتدأ خبره لتنذر كأنه قال تنزيل العزيز للإنذار وقوله: * (العزيز الرحيم) * إشارة إلى أن الملك إذا أرسل رسولا فالمرسل إليهم إما أن يخالفوا المرسل ويهينوا المرسل وحينئذ لا يقدر الملك على الانتقام منهم إلا إذا كان عزيزا أو يخافوا المرسل ويكرموا المرسل وحينئذ يرحمهم الملك، أو نقول المرسل يكون معه في رسالته منع عن أشياء وإطلاق لأشياء فالمنع يؤكد العزة والإطلاق يدل على الرحمة.
* (لتنذر قوما مآ أنذر ءابآؤهم فهم غافلون) *.
وقوله تعالى: * (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) *.
قد تقدم تفسيره في قوله: * (لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك) * وقيل المراد الإثبات وهو على وجهين أحدهما: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم، فتكون ما مصدرية الثاني: أن تكون موصولة معناه: لتنذر قوما الذين أنذر آباؤهم فهم غافلون، فعلى قولنا ما نافية تفسيره ظاهر فإن من لم ينذر آباؤه وبعد الإنذار عنه فهو يكون غافلا، وعلى قولنا هي للإثبات كذلك لأن معناه لتنذرهم إنذار آبائهم فإنهم غافلون، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: كيف يفهم التفسيران وأحدهما يقتضي أن لا يكون آباؤهم منذرين والآخر يقتضي أن يكونوا منذرين وبينهما تضاد؟ نقول على قولنا ما نافية معناه ما أنذر آباؤهم وإنذار آبائهم الأولين لا ينافي أن يكون المتقدمون من آبائهم منذرين والمتأخرون منهم غير منذرين.