ثم قال تعالى: * (إن الذين يتلون كتاب الله) *.
لما بين العلماء بالله وخشيتهم وكرامتهم بسبب خشيتهم ذكر العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه. وقوله: * (يتلون كتاب الله) * إشارة إلى الذكر.
وقوله تعالى: * (وأقاموا الصلاة) * إشارة إلى العمل البدني. وقوله: * (وأنفقوا مما رزقناهم) * إشارة إلى العمل المالي، وفي الآيتين حكمة بالغة، فقوله: إنما يغشى الله إشارة إلى عمل القلب، وقوله: * (إن الذين يتلون) * إشارة إلى عمل اللسان. وقوله: * (وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم) * إشارة إلى عمل الجوارح، ثم إن هذه الأشياء الثلاثة متعلقة بجانب تعظيم الله والشفقة على خلقه، لأنا بينا أن من يعظم ملكا إذا رأى عبدا من عباده في حاجة يلزمه قضاء حاجته وإن تهاون فيه يخل بالتعظيم، وإلى هذا أشار بقوله: عبدي مرضت فما عدتني، فيقول العبد: كيف تمرض وأنت رب العالمين، فيقول الله مرض عبدي فلان وما زرته ولو زرته لوجدتني عنده، يعني التعظيم متعلق بالشفقة فحيث لا شفقة على خلق الله لا تعظيم لجانب الله.
وقوله تعالى: * (سرا وعلانية) * حث على الإنفاق كيفما يتهيأ، فإن تهيأ سرا فذاك ونعم وإلا فعلانية ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء، فإن ترك الخير مخافة أن يقال فيه إنه مراء عين الرياء ويمكن أن يكون المراد بقوله: * (سرا) * أي صدقة * (وعلانية) * أي زكاة، فإن الإعلان بالزكاة كالإعلان بالفرض وهو مستحب.
وقوله تعالى: * (يرجون تجارة لن تبور) * إشارة إلى الإخلاص، أي ينفقون لا ليقال إنه كريم ولا لشيء من الأشياء غير وجه الله، فإن غير الله بائر والتاجر فيه تجارته بائرة.
قوله تعالى * (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) *.
وقوله تعالى: * (ليوفيهم أجورهم) * أي ما يتوقعونه ولو كان أمرا بالغ الغاية * (ويزيدهم فضله) * أي يعطيهم ما لم يخطر ببالهم عند العمل، ويحتمل أن يكون يزيدهم النظر إليه كما جاء في تفسير الزيادة * (إنه غفور) * عند إعطاء الأجور * (شكور) * عند إعطاء الزيادة.
* (والذى أوحينآ إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير) *.
ثم قال تعالى: * (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق) *.
لما بين الأصول الأول وهو وجود الله الواحد بأنواع الدلائل من قوله: * (والله الذي أرسل) *