الثاني: اليد عبارة عن النعمة يقال أيادي فلان في حق فلان ظاهرة والمراد النعم والمراد باليدين النعم الظاهرة والباطنة أو نعم الدين والدنيا الثالث: أن لفظ اليد قد يزاد للتأكيد كقول القائل لمن جنى باللسان هذا ما كسبت يداك وكقوله تعالى: * (بشرا بين يدي رحمته) * (الأعراف: 57).
ولقائل أن يقول حمل اليد على القدرة ههنا غير جائز، ويدل عليه وجوه الأول: أن ظاهر الآية يقتضي إثبات اليدين، فلو كانت اليد عبارة عن القدرة لزم إثبات قدرتين لله وهو باطل والثاني: أن الآية تقتضي أن كون آدم مخلوقا باليدين يوجب فضيلته وكونه مسجودا للملائكة، فلو كانت اليد عبارة عن القدرة لكان آدم مخلوقا بالقدرة، لكن جميع الأشياء مخلوقة بقدرة الله تعالى فكما أن آدم عليه السلام مخلوق بيد الله تعالى، فكذلك إبليس مخلوق بيد الله تعالى، وعلى تقدير أن تكون عبارة عن القدرة، لم تكن هذه العلة علة لكون آدم مسجودا لإبليس أولى من أن يكون إبليس مسجودا لآدم، وحينئذ يختل نظم الآية ويبطل الثالث: أنه جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: " كلتا يديه يمنى " ومعلوم أن هذا الوصف لا يليق بالقدرة.
وأما التأويل الثاني: وهو حمل اليدين على النعمتين فهو أيضا باطل لوجوه الأول: أن نعم الله تعالى كثيرة كما قال: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * (إبراهيم: 34) وظاهر الآية يدل على أن اليد لا تزيد على الإثنتين الثاني: لو كانت اليد عبارة عن النعمة فنقول النعمة مخلوقة لله فحينئذ لا يكون آدم مخلوقا لله تعالى بل يكون مخلوقا لبعض المخلوقات، وذلك بأن يكون سببا لمزيد النقصان أولى من أن يكون سببا لمزيد الكمال الثالث: لو كانت اليد عبارة عن النعمة لكان قوله: * (تبارك الذي بيده الملك) * (الملك: 1) معناه تبارك الذي بنعمته الملك ولكان قوله: " بيدك الخير " معناه بنعمتك الخير ولكان قوله: * (يداه مبسوطتان) * (المائدة: 64) معناه نعمتان مبسوطتان، ومعلوم أن كل ذلك فاسد.
وأما التأويل الثالث: وهو قوله إن لفظ اليد قد يذكر زيادة لأجل التأكيد فنقول لفظ اليد قد يستعمل في حق من يكون هذا العضو حاصلا له وفي حق من لا يكون هذا العضو حاصلا في حقه أما الأول: فكقولهم في حق من جنى بلسانه هذا ما كسبت يداك والسبب في هذا أن محل القدرة هو اليد فطلق اسم اليد على القدرة، وعلى هذا التقدير فيصير المراد من لفظ اليد القدرة، وقد تقدم إبطال هذا الوجه وأما الثاني: فكقوله * (بين يدي عذاب شديد) * (سبأ: 46) وقوله: (بين يدي الساعة) إلا أنا نقول هذا المجاز بهذا اللفظ مذكور والمجاز لا يقاس عليه ولا يكون مطردا، فلا جرم لا يجوز أن يقال إن هذا المعنى إنما حصل بيد العذاب وبيد الساعة، ونحن نسلم أن قوله: * (لا تقدموا بين يد الله ورسوله) * (الحجرات: 1) قد يجوز أن يراد به التأكيد والصلة، أما المذكور في هذه الآية ليس هذا اللفظ بل قوله تعالى: * (خلقت بيدي) * وإن كان القياس في المجازات باطلا فقد سقط كلامكم بالكلية، فهذا منتهى البحث في هذا الباب.
والذي تلخص عندي في هذا الباب أن السلطان العظيم لا يقدر على عمل شيء بيده إلا إذا كانت