صريح في أنه يجب الإتيان بالعبادة على سبيل الخلوص وتأكد هذا بقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعدوا الله مخلصين له الدين) * (البينة: 5) وأما بيان الوجوه المنافية للإخلاص فهي الوجوه الداعية للشريك وهي أقسام أحدها: أن يكون للرياء والسمعة فيه مدخل وثانيها: أن يكون مقصودة من الإتيان بالطاعة الفوز بالجنة والخلاص من النار وثالثها: أن يأتي بها ويعتقد أن لها تأثيرا في إيجاب الثواب أو دفع العقاب ورابعها: وهو أن يخلص الطاعات عن الكبائر حتى تصير مقبولة، وهذا القول إنما يعتبر على قول المعتزلة.
المسألة الثانية: من الناس من قال: فاعبد الله مخلصا له الدين) * المراد منه شهادة أن لا إله إلا الله، واحتجوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا إله إلا الله حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي " وهذا قول من يقول: لا تضر المعصية مع الإيمان كما لا تنفع الطاعة مع الكفر، وأما الأكثرون فقالوا: الآية متناولة لكل ما كلف الله به من الأوامر والنواهي، وهذا الأولى لأن قوله: * (فاعبد الله) * عام، وروي أن امرأة الفرزدق لما قرب وفاتها وأصت أن يصلي الحسن البصري عليها، فلما صلى عليها ودفنت، قال للفرزدق: يا أبا فراس ما الذي أعددت لهذا الأمر؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، فقال الحسن رضي الله عنه: هذا العمود فأين الطنب؟ فبين بهذا أن عمود الخيمة لا ينتفع به إلا مع الطنب حتى يمكن الانتفاع بالخيمة، قال القاضي: فأما ما يروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي الدرداء: " وإن زني وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء " فإن صح فإنه يجب أن يحمل عليه بشرط التوبة وإلا لم يجز قبول هذا الخبر لأنه مخالف للقرآن، ولأنه يوجب أن لا يكون الإنسان مزجورا عن الزنا والسرقة، وأن لا يكون متعديا بفعلهما لأنه مع شدة شهوته للقبيح يعلم أنه لا يضره مع تمسكه بالشهادتين فكأن ذلك إغراء بالقبيح، لأنا نقول إن من اعتقد أن ضرره يزول بالتوبة فقد اعتقد أن فعل القبيح مضرة إلا أنه يزيل ذلك الضرر بفعل التوبة بخلاف قول من يقول إن فعل القبيح لا يضر مع التمسك بالشهادتين. هذا تمام كلام القاضي، فيقال له: أما قولك إن القول بالمغفرة مخالف للقرآن فليس كذلك بل للقرآن يدل عليه قال تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 48) وقال: * (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) * (الرعد: 6) أي: حال ظلمهم كما يقال رأيت الأمير على أكله وشربه أي حال كونه آكلا وشاربا، وقال: * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) * (الزمر: 53)، وأما قوله: إن ذلك يوجب الإغراء بالقبيح، فيقال له إن كان الأمر كذلك وجب أن يقبح غفرانه عقلا، وأيضا فيلزم عليه أن لا يحصل الغفران بالتوبة، لأنه إذا علم أنه إذا أذنب ثم تاب غفر الله له لم ينزجر وأما