يدل على حاجة من دفع برد أو غيره والإكثار من الزينة لا يدل إلا على الغنى الرابع: ذكر الأساور من بين سائر الحلي في كثير من المواضع منها قوله تعالى: * (وحلوا أساور من فضة) * وذلك لأن التحلي بمعنيين أحدهما: إظهار كون المتحلي غير مبتذل في الأشغال لأن التحلي لا يكون حالة الطبخ والغسل وثانيهما: إظهار الاستغناء عن الأشياء وإظهار القدرة على الأشياء وذلك لأن التحلي إما باللآلئ والجواهر وإما بالذهب والفضة والتحلي بالجواهر واللآلئ يدل على أن المتحلي لا يعجز عن الوصول إلى الأشياء الكبيرة عند الحاجة حيث يعجز عن الوصول إلى الأشياء القليلة الوجود لا لحاجة، والتحلي بالذهب والفضلة يدل على أنه غير محتاج حاجة أصلية وإلا لصرف الذهب والفضة إلى دفع الحاجة، إذا عرفت هذا فنقول الأساور محلها الأيدي وأكثر الأعمال باليد فإنها للبطش، فإذا حليت بالأساور علم الفراغ والذهب واللؤلؤ إشارة إلى النوعين اللذين منهما الحلي.
ثم قال تعالى: * (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور) *.
في الحزن أقوال كثيرة والأولى أن يقال المراد إذهاب كل حزن والألف واللام للجنس واستغراقه وإذهاب الحزن بحصول كل ما ينبغي وبقائه دائما فإن شيئا منه لو لم يحصل لكان الحزن موجودا بسببه وإن حصل ولم يدم لكان الحزن غير ذاهب بعد بسبب زواله وخوف فواته، وقوله: * (آن ربنا لغفور شكور) * ذكر الله عنهم أمورا كلها تفيد الكرامة من الله الأول: الحمد فإن الحامد مثاب الثاني: قولهم ربنا فإن الله لم يناد بهذا اللفظ إلا واستجاب لهم، اللهم إلا أن يكون المنادي قد ضيع الوقت الواجب أو طلب ما لا يجوز كالرد إلى الدنيا من الآخرة الثالث: قولهم: * (غفور) *، الرابع: قولهم: * (شكور) * والغفور إشارة إلى ما غفر لهم في الآخرة بما وجد لهم من الحمد في الدنيا، والشكور إشارة إلى ما يعطيهم ويزيد لهم بسبب ما وجد لهم في الآخرة من الحمد.
ثم قال تعالى: * (الذي أحلنا دار المقامة من فضله) * أي دار الإقامة، لما ذكر الله سرورهم وكرامتهم بتحليتهم وإدخالهم الجنات بين سرورهم ببقائهم فيها وأعلمهم بدوامها حيث قالوا: * (الذي أحلنا دار المقامة) * أي الإقامة والمفعول ربما يجيء للمصدر من كل باب يقال ما له معقول أي عقل، وقال تعالى: * (مدخل صدق) * وقال تعالى: * (ومزقناهم كل ممزق) * وكذلك مستخرج للاستخراج وذلك لأن المصدر هو المفعول في الحقيقة، فإنه هو الذي فعل فجاز إقامة المفعول مقامه وفي قوله: * (دار المقامة) * إشارة إلى أن الدنيا منزلة ينزلها المكلف ويرتحل عنها إلى منزلة القبور ومنها إلى منزلة