بأخيك) * (القصص: 35) وقيل شددنا على المبالغة، وأما الأسباب الموجبة لحصول هذا الشد فكثيرة، وهي إما الأسباب الدنيوية أو الدينية، أما الأول فذكروا فيه وجهين الأول: روى الواحدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يحرسه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل، فإذا أصبح قيل ارجعوا فقد رضي عنكم نبي الله، وزاد آخرون فذكروا أربعين ألفا. قالوا وكان أشد ملوك الأرض سلطانا، وعن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا ادعى عند داود على رجل أخذ منه بقرة فأنكر المدعي عليه، فقال داود للمدعي أقم البينة فلم يقمها، فرأى داود في منامه. أن الله يأمره أن يقتل المدعي عليه فثبت داود وقال هو منام فأتاه الوحي بعد ذلك بأن تقتله فأحضره وأعلمه أن أمره بقتله، فقال المدعي عليه صدق الله إني كنت قتلت أبا هذا الرجل غيلة فقتله داود. فهذه الواقعة شددت ملكه، وأما الأسباب الدينية الموجبة لهذا الشد فهي الصبر والتأمل التام والاحتياط الكامل.
الصفة التاسعة: قوله: * (وآتيناه الحكمة) * واعلم أنه تعالى قال: * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * (البقرة: 269) واعلم أن الفضائل على ثلاثة أقسام النفسانية والبدنية والخارجية، والفضائل النفسانية محصورة في قسمين العلم والعمل، أما العلم فهو أن تصير النفس بالتصورات الحقيقية والتصديقات النفسانية بمقتضي الطاقة البشرية، وأما العمل فهو أن يكون الإنسان آتيا بالعمل الأصلح الأصوب بمصالح الدنيا والآخرة، فهذا هو الحكمة وإنما سمي هذا بالحمة لأن اشتقاق الحكمة من إحكام الأمور وتقويتها وتبعيدها عن أسباب الرخاوة والضعف، والاعتقادات الصائبة الصحيحة لا تقبل النسخة والنقض فكانت في غاية الإحكام، وأما الأعمال المطابقة لمصالح الدنيا والآخرة فإنها واجبة الرعاية ولا تقبل النقض والنسخ، فلهذا السبب سمينا تلك المعارف وهذه الأعمال بالحكمة.
الصفة العاشرة: قوله: * (وفضل الخطاب) * واعلم أن أجسام هذا العالم على ثلاثة أقسام أحدهما: ما تكون خالية عن الإدراك والشعور وهي الجمادات والنباتات وثانيها: التي يحصل لها إدراك وشعور ولكنها لا تقدر على تعريف غيرها الأحوال التي عرفوها في الأكثر وهذا القسم هو جملة الحيوانات سوى الإنسان وثالثها: الذي يحصل له إدراك وشعور ويحصل عنده قدرة على تعريف غيره الأحوال المعلومة له، وذلك هو الإنسان وقدرته على تعريف غيره الأحوال المعلومة، له، وذلك هو الإنسان وقدرته على تعريف الغير الأحوال المعلومة عنده بالنطق والخطاب، ثم إن الناس مختلفون في مراتب القدرة على التعبير عما في الضمير، فمنهم من يتعذر عليه إيراد الكلام المرتب المنتظم بل يكون مختلط الكلام مضطرب القول، ومنهم من يتعذر عليه الترتيب من بعض الوجوه، ومنهم من يكون قادرا على ضبط المعنى والتعبير عنه إلى