بهذا القول تزعم كل طائفة منهم أن المحق هو ذلك الرجل الذي هو على دينه، وأن من سواه مبطل، وعلى هذا التقدير أيضا ينطبق المثال، فثبت أن هذا المثال مطابق للمقصود.
أما قوله تعالى: * (هل يستويان مثلا) * فالتقدير هل يستويان صفة، فقوله: * (مثلا) * نصب على التمييز، والمعنى هل تستوي صفتاهما وحالتاهما، وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس وقرئ مثلين، ثم قال: * (الحمد لله) * والمعنى أنه لما بطل القول بإثبات الشركاء والأنداد، وثبت أنه لا إله إلا هو الواحد الأحد الحق، ثبت أن الحمد له لا لغيره، ثم قال بعده: * (بل أكثرهم لا يعلمون) * أي لا يعلمون أن الحمد له لا لغيره، وأن المستحق للعبادة هو الله لا غيره، وقيل المراد أنه لما سبقت هذه الدلائل الظاهرة والبينات الباهرة، قال: الحمد لله على حصول هذه البيانات وظهور هذه البينات، وإن كان أكثر الخلق لم يعرفوها ولم يقفوا عليها، ولما تمم الله هذه البيانات قال: * (إنك ميت وإنهم ميتون) * والمراد أن هؤلاء الأقوام وإن لم يلتفتوا إلى هذه الدلائل القاهرة بسبب استيلاء الحرص والحسد عليهم في الدنيا، فلا تبال يا محمد بهذا فإنك ستموت وهم أيضا سيموتون، ثم تحشرون يوم القيامة وتختصمون عند الله تعالى، والعادل الحق يحكم بينكم فيوصل إلى كل واحد ما هو حقه، وحينئذ يتميز المحق من المبطل، والصديق من الزنديق، فهذا هو المقصود من الآية، وقوله تعالى: * (إنك ميت وإنهم ميتون) * أي إنك وإياهم، وإن كنتم أحياء فإنك وإياهم في أعداد الموتى، لأن كل ما هو آت آت، ثم بين تعالى نوعا آخر من قبائح أفعالهم، وهو أنهم يكذبون ويضمون إليه أنهم يكذبون القائل المحق. أما أنهم يكذبون، فهو أنهم أثبتوا لله ولدا وشركاء. وأما أنهم مصرون على تكذيب الصادقين، فلأنهم يكذبون محمدا صلى الله عليه وسلم بعد قيام الدلالة القاطعة على كونه صادقا في ادعاء النبوة، ثم أردفه بالوعيد فقال: * (أليس في جهنم مثوى للكافرين) * ومن الناس من تمسك بهذه الآية في تكفير المخالف من أهل القبلة، وذلك لأن المخالف في المسائل القطعية كلها يكون كاذبا في قوله، ويكون مكذبا للمذهب الذي هو الحق، فوجب دخوله تحت هذا الوعيد.
قوله تعالى * (والذى جآء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون * لهم ما يشآءون عند ربهم ذلك جزآء المحسنين * ليكفر الله عنهم أسوأ الذى عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذى كانوا