أي الشيطان وقد ذكرنا ما فيه من المعنى اللطيف في تفسير سورة لقمان ونعيده ههنا فنقول المكلف قد يكون ضعيف الذهن قليل العقل سخيف الرأي فيغتر بأدنى شيء، وقد يكون فوق ذلك فلا يغتر به ولكن إذا جاءه غار ورزين له ذلك الشيء وهون عليه مفاسده، وبين له منافع، يغتر لما فيها من اللذة مع ما ينضم إليه من دعاء ذلك الغار إليه، وقد يكون قوي الجأش غزير العقل فلا يغتر ولا يغر فقال الله تعالى: * (لا تغرنكم الحياة الدنيا) * إشارة إلى الدرجة الأولى، وقال: * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * إشارة إلى الثانية ليكون واقعا في الدرجة الثالثة وهي العليا فلا يغر ولا يغتر.
ثم قال تعالى: * (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) * لما قال تعالى: * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * ذكر ما يمنع العاقل من الاغترار، وقال: * (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) * ولا تسمعوا قوله، وقوله: * (فاتخذوه عدوا) * أي اعملوا ما يسوءه وهو العمل الصالح.
ثم قال تعالى: * (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) * إشارة إلى معنى لطيف وهو أن من يكون له عدو فله في أمره طريقان: أحدهما: أن يعاديه مجازاة له على معاداته والثاني: أن يذهب عداوته بإرضائه، فلما قال الله تعالى: * (إن الشيطان لكم عدوا) * أمرهم بالعداوة وأشار إلى أن الطريق ليس إلا هذا، وأما الطريق الآخر وهو الإرضاء فلا فائدة فيه لأنكم إذا راضيتموه واتبعتموه فهو لا يؤديكم إلا إلى السعير. واعلم أن من علم أن له عدو لا مهرب له منه وجزم بذلك فإنه يقف عنده يصبر على قتاله والصبر معه الظفر، فكذلك الشيطان لا يقدر الإنسان أن يهرب منه فإنه معه، ولا يزال يتبعه إلا أن يقف له ويهزمه، فهزيمة الشيطان بعزيمة الإنسان، فالطريق الثبات على الجادة والاتكال على العبادة.
ثم بين الله تعالى حال حزبه وحال حزب الله. فقال:
* (الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير) *.
* (الذين كفروا لهم عذاب شديد) * فالمعادي للشيطان وإن كان في الحال في عذاب ظاهر وليس بشديد، والإنسان إذا كان عاقلا يختار العذاب المنقطع اليسير دفعا للعذاب الشديد المؤبد ألا ترى أن الإنسان إذ عرض في طريقه شوك ونار ولا يكون له بد من أحدهما يتخطى الشوك ولا يدخل النار ونسبة النار التي في الدنيا إلى النار التي في الآخرة دون نسبة الشوك إلى النار العاجلة.
وقال تعالى: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير) * قد ذكر تفسيره مرارا،