لا بخصوص السبب ألا ترى أن قوله تعالى: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * (المجادلة: 1) عمومها فنقول فيها لطائف:
اللطيفة الأولى: قوله: * (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا) * (يس: 71) معناه الكافرون المنكرون التاركون عبادة الله المتخذون من دونه آلهة، أو لم يروا خلق الأنعام لهم وعلى هذا فقوله تعالى: * (أولم ير الإنسان) * كلام أعم من قوله: * (أو لم يروا) * لأنه مع جنس الإنسان وهو مع جمع منهم فنقول سبب ذلك أن دليل الأنفس أشمل وأكمل وأتم وألزم، فإن الإنسان قد يغفل عن الإنعام وخلقها عند غيبتها ولكن (لا يغفل) هو مع نفسه متى ما يكون وأينما يكون. فقال: إن غاب عن الحيوان وخلقه فهو لا يعيب عن نفسه، فما باله أولم ير أنا خلقناه من نطفة وهو أتم نعمة، فإن سائر النعم بعد وجوده وقوله: * (من نطفة) * إشارة إلى وجه الدلالة، وذلك لأن خلقه لو كان من أشياء مختلفة مختلفة الصور كان يمكن أن يقال العظم خلق من جنس صلب واللحم من جنس رخو، وكذلك الحال في كل عضو، ولما كان خلقه عن خطفة متشابهة الأجزاء وهو مختلف الصور دل على الاختيار والقدرة إلى هذا أشار بقوله تعالى: * (يسقى بماء واحد) * (الرعد: 4).
وقوله: * (فإذا هو خصيم مبين) * فيه لطيفة غريبة وهي أنه تعالى قال اختلاف صور أعضائه مع تشابه أجزاء ما خلق منه آية ظاهرة ومع هذا فهنالك ما هو أظهر وهو نطقه وفهمه، وذلك لأن النطفة جسم، فهب أن جاهلا يقول إنه استحال وتكون جسما آخر، لكن القوة الناطقة والقوة الفاهمة من أين تقتضيهما النطفة؟ فإبداع النطق والفهم أعجب وأغرب من إبداع الخلق والجسم وهو إلى إدراك القدرة والاختيار منه أقرب فقوله: * (خصيم) * أي ناطق وإنما ذكر الخصيم مكان النطق لأنه أعلى أحوال الناطق، فإن الناطق مع نفسه لا يبين كلامه مثل ما يبينه وهو يتكلم مع غيره، والمتكلم مع غيره إذا لم يكن خصما لا يبين ولا يجتهد مثل ما يجتهد إذا كان كلامه مع خصمه وقوله: * (مبين) * إشارة إلى قوة عقله، واختار الإبانة لأن العاقل عند الإفهام أعلى درجة منه عند عدمه، لأن المبين بان عنده الشيء ثم أبانه فقوله تعالى: * (من نطفة) * إشارة إلى أدنى ما كان عليه وقوله:) * خصيم مبين) * إشارة إلى أعلى ما حصل عليه وهذا مثل قوله تعالى: * (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة) * إلى أن قال تعالى: * (ثم أنشأناه خلقا آخر) * (المؤمنون: 14) فما تقدم من خلق النطفة علقة وخلق العلقة مضغة وخلق المضغة عظاما إشارة إلى التغيرات في الجسم وقوله: * (ثم أنشأناه خلقا آخر) * إشارة إلى ما أشار إليه بقوله: * (فإذا هو خصيم مبين) * أي ناطق عاقل.
ثم قوله تعالى: * (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه) * إشارة إلى بيان الحشر وفي هذه الآيات إلى