ثم قال تعالى: * (وباركنا عليه وعلى إسحق) * وفي تفسير هذه البركة وجهان الأول: أنه تعالى أخرج جميع أنبياء بني إسرائيل من صلب إسحاق والثاني: أنه أبقى الثناء الحسن على إبراهيم وإسحاق إلى يوم القيامة، لأن البركة عبارة عن الدوام والثبات، ثم قال تعالى: * (ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) * وفي ذلك تنبيه على أنه لا يلزم من كثرة فضائل الأب فضيلة الابن، لئلا تصير هذه الشبهة سببا لمفاخرة اليهود، ودخلت تحت قوله: * (محسن) * الأنبياء والمؤمنين وتحت قوله:
* (محسن) * الأنبياء والمؤمنون وتحت قوله: * (ظالم) * الكافر والفاسق والله أعلم.
قوله تعالى * (ولقد مننا على موسى وهارون * ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم * ونصرناهم فكانوا هم الغالبون * وءاتيناهما الكتاب المستبين * وهديناهما الصراط المستقيم * وتركنا عليهما فى الاخرين * سلام على موسى وهارون * إنا كذلك نجزى المحسنين * إنهما من عبادنا المؤمنين) * اعلم أن هذا هو القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة، واعلم أن وجوه الأنعام وإن كانت كثيرة إلا أنها محصورة في نوعين إيصال المنافع إليه ودفع المضار عنه والله تعالى ذكر القسمين ههنا، فقوله: * (ولقد مننا على موسى وهارون) * إشارة إلى إيصال المنافع إليهما، وقوله: * (ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم) * إشارة إلى دفع المضار عنهما.
أما القسم الأول: وهو إيصال المنافع، فلا شك أن المنافع على قسمين: منافع الدنيا ومنافع الدين، أما منافع الدنيا فالوجود والحياة والعقل والتربية الصحة وتحصيل صفات الكمال في ذات كل واحد منهما، وأما منافع الدين فالعلم والطاعة، وأعلى هذه الدرجات النبوة الرفيعة المقرونة بالمعجزات الباهرة القاهرة، ولما ذكر الله تعالى هذه التفاصيل في سائر السور، لا جرم اكتفى ههنا بهذا الرمز.