الله) * (الأنفال: 30) وقال: * (سخر الله منهم) * (التوبة: 79) وقال تعالى: * (وهو خادعهم) * (النساء: 142) والمكر والخداع والسخرية من الله تعالى بخلاف هذه الأحوال من العباد، وقد ذكرنا أن القانون في هذا الباب أن هذه الألفاظ محمولة على نهايات الأعراض لا على بدايات الأعراض. وكذلك ههنا من تعجب من شيء فإنه يستعظمه فالتعجب في حق الله تعالى محمول على أنه تعالى يستعظم تلك الحالة إن كانت قبيحة فيترتب العقاب العظيم عليه، وإن كانت حسنة فيترتب الثواب العظيم عليه، فهذا تمام الكلام في هذه المناظرة، والأقرب أن يقال القراءة بالضم إن ثبت بالتواتر وجب المصير إليها ويكون التأويل ما ذكرناه وإن لم تثبت هذه القراءة بالتواتر كانت القراءة بفتح التاء أولى والله أعلم. ثم قال تعالى:
* (وإذا ذكروا لا يذكرون * وإذا رأوا ءاية يستسخرون * وقالوا إن هذآ إلا سحر مبين * أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون * أو ءابآؤنا الاولون * قل نعم وأنتم داخرون) * اعلم أنه تعالى لما قرر الدليل القادع في إثبات إمكان البعث والقيامة حكى عن المنكرين أشياء أولها: النبي صلى الله عليه وسلم يتعجب من إصرارهم على الإنكار وهم يسخرون منه في إصراره على الإثبات، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مع أولئك الأقوام كانوا في غاية التباعد وفي طرفي النقيض وثانيها قوله: * (وإذا ذكروا لا يذكرون) *، وثالثها قوله: * (وإذا رأوا آية يستسخرون) * ويجب أن يكون المراد من هذا الثاني والثالث غير الأول لأن العطف يوجب التغاير ولأن التكرير خلاف الأصل، والذي عندي في هذا الباب أن يقال القوم كانوا يستبعدون الحشر والقيامة ويقولون: من مات وصار ترابا وتفرقت أجزاؤه في العالم كيف يعقل عوده بعينه؟ وبلغوا في هذا الاستبعاد إلى حيث كانوا يسخرون ممن يذهب إلى هذا المذهب وإذا كان كذلك فلا طريق إلى إزالة هذا الاستبعاد عنهم إلا من وجهين أحدهما: أن يذكر لهم الدليل الدال على صحة الحشر والنشر مثل أن يقال لهم: هل تعلمون أن خلق السماوات والأرض أشد وأصعب من إعادة إنسان بعد موته؟ وهل تعلمون أن القادر على أو صعب الأشق يجب أن يكون قادرا على الأسهل الأيسر؟ فهذا الدليل وإن كان جليا قويا إلا أن أولئك المنكرين إذا عرض على عقولهم هذه المقدمات لا يفهمونها ولا يقفون عليها، وإذا ذكروا لم يذكروها لشدة