جواب من قال قد فعل لما يفعل، وفي جواب من قال فعل لم يفعل، وإلا كأنها حرفا نفي إن ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخر، قال الزمخشري: فإن قال قائل كل وجميع معنى واحد، فكيف جعل جميعا خبرا لكل حيث دخلت اللام عليه، إذ التقدير وإن كل لجميع، نقول معنى جميع مجموع، ومعنى كل كل فرد حيث لا يخرج عن الحكم أحد، فصار المعنى كل فرد مجموع مع الآخر مضموم إليه، ويمكن أن يقال محضرون، يعني عما ذكره، وذلك لأنه لو قال: وإن جميع لجميع محضرون، لكان كلاما صحيحا ولم يوجد ما ذكره من الجواب، بل الصحيح أن محضرون كالصفة للجميع، فكأنه قال جميع جميع محضرون، كما يقال الرجل رجل عالم، والنبي نبي مرسل، والواو في * (وإن كل) * لعطف الحكاية على الحكاية، كأنه يقول بينت لك ما ذكرت، وأبين أن كلا لدينا محضرون، وكذلك الواو في قوله تعالى:
* (وءاية لهم الارض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون) * كأنه يقول: وأقول أيضا آية لهم الأرض الميتة وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ما وجه تعلق هذا بما قبله؟ نقول مناسب لما قبله من وجهين أحدهما: أنه لما قال: * (وإن كل لما جميع) * (يس: 32) كان ذلك إشارة إلى الحشر، فذكر ما يدل على إمكانه قطعا لإنكارهم واستعدادهم وإصرارهم وعنادهم، فقال: وآية لهم الأرض الميتة أحييناها كذلك نحيي الموتى وثانيهما: أنه لما ذكر حال المرسلين وإهلاك المكذبين وكان شغلهم التوحيد ذكر ما يدل عليه، وبدأ بالأرض لكونها مكانهم لا مفارقة لهم منها عند الحركة والسكون.
المسألة الثانية: الأرض آية مطلقا فلم خصصها بهم حيث قال: * (وآية لهم) * نقول: الآية تعدد وتسرد لمن لم يعرف الشيء بأبلغ الوجوه، وأما من عرف الشيء بطريق الرؤية لا يذكر له دليل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وعباد الله المخلصين عرفوا الله قبل الأرض والسماء، فليست الأرض معرفة لهم، وهذا كما قال تعالى: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) * (فصلت: 53) وقال: * (أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) * (فصلت: 53) يعني أنت كفاك ربك معرفا، به عرفت كل شيء فهو شهيد لك على كل شيء، وأما هؤلاء تبين لهم الحق بالآفاق والأنفس، وكذلك ههنا آية لهم.