وقوله: * (ما يأتيهم) * الضمير يجوز أن يكون عائدا إلى قوم حبيب، أي ما يأتيهم من رسول من الرسل الثلاثة إلا كانوا به يستهزؤون على قولنا الحسرة عليهم، ويجوز أن يكون عائدا إلى الكفار المصرين.
* (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون) * ثم إن الله تعالى لما بين حال الأولين قال للحاضرين: * (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون) * أي الباقون لا يرون ما جرى على من تقدمهم، ويحتمل أن يقال: إن الذين قيل في حقهم: * (يا حسرة) * (يس: 30) هم الذين قال في حقهم: * (ألم يروا) * ومعناه أن كل مهلك تقدمه قوم كذبوا وأهلكوا إلى قوم نوح وقبله. وقوله: * (أنهم إليهم لا يرجعون) * بدل في المعنى عن قوله: * (كم أهلكنا) * وذلك لأن معنى: * (كم أهلكنا) * ألم يروا كثرة إهلاكنا، وفي معنى، ألم يروا المهلكين الكثيرين أنهم إليهم لا يرجعون، وحينئذ يكون كبدل الاشتمال، لأن قوله: * (أنهم إليهم لا يرجعون) * حال من أحوال المهلكين، أي أهلكوا بحيث لا رجوع لهم إليهم فيصير كقولك: ألا ترى زيدا أدبه، وعلى هذا فقوله: * (أنهم إليهم لا يرجعون) * فيه وجهان أحدهما: أهلكوا إهلاكا لا رجوع لهم إلى من في الدنيا وثانيهما: هو أنهم لا يرجعون إليهم، أي الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة، يعني أهلكناهم وقطعنا نسلهم، ولا شك في أن الإهلاك الذي يكون مع قطع النسل أتم وأعم، والوجه الأول أشهر نقلا، والثاني أظهر عقلا، ثم قال تعالى:
* (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) * لما بين الإهلاك بين أنه ليس من أهلكه الله تركه، بل بعده جمع وحساب وحبس وعقاب، ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة، ونعم ما قال القائل: ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده من كل شيء وقوله: * (وإن كل لما) * في إن وجهان أحدهما: أنها مخففة من الثقيلة واللام في لما فارقة بينها وبين النافية، وما زائدة مؤكدة في المعنى، والقراءة حينئذ بالتخفيف في لما وثانيهما: أنها نافية ولما بمعنى إلا، قال سيبويه: يقال نشدتك بالله لما فعلت، بمعنى إلا فعلت، والقراءة حينئذ بالتشديد في لما، يؤيد هذا ما روي أن أبيا قرأ * (وما كل إلا جميع) * وفي قوله سيبويه: لما بمعنى إلا وارد معنى مناسب وهو أن لما كأنها حرفا نفي جمعا وهما لم وما فتأكد النفي، ولهذا يقال في