الأول: أنه مجاز عن الطرد، لأن الظاهر أن من طرد فقد يرمي بالحجارة وهو الرجم فلما كان الرجم من لوازم الطرد جعل الرجم كناية عن الطرد فإن قالوا: الطرد هو اللعن فلو حملنا قوله: * (رجيم) * على الطرد لكان قوله بعد ذلك: * (وإن عليك لعنتي) * تكرارا والجواب من وجهين الأول: أنا نحمل الرجم على الطرد من الجنة أو من السماوات ونحمل اللعن على الطرد من رحمة الله والثاني: أنا نحمل الرجم على الطرد ونحمل قوله: * (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) * على أن ذلك الطرد يمتد إلى آخر القيامة فيكون هذا فائدة زائدة ولا يكون تكريرا.
والقول الثاني: في تفسير الرجيم أن نحمله على الحقيقة وهو كون الشياطين مرجومين بالشهب والله أعلم. فإن قيل كلمة إلى الإنتهاء الغاية فقوله: * (إلى يوم الدين) * يقتضي انقطاع تلك اللعنة عند مجيء يوم الدين، أجاب صاحب " الكشاف " بأن اللعنة باقية عليه في الدنيا فإذا جاء يوم القيامة جعل مع اللعنة أنواع من العذاب تصير اللعنة مع حضورها منسية.
واعلم أن إبليس لما صار ملعونا قال: * (فأنظرني إلى يوم يبعثون) * قيل إنما طلب الإنظار إلى يوم يبعثون لأجل أن يتخلص من الموت لأنه إذا نظر إلى يوم البعث لم يمت قبل يوم البعث وعند مجيء يوم البعث لا يموت أيضا فحينئذ يتخلص من الموت فقال تعالى: * (إنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم) * ومعناه إنك من المنظرين إلى يوم يعلمه الله ولا يعلمه أحد سواه، فقال إبليس: * (فبعزتك) * وهو قسم بعزة الله وسلطانه * (لأغوينهم أجمعين) * فههنا أضاف الإغواء إلى نفسه وهو على مذهب القدر وقال مرة أخرى: * (رب بما أغويتني) * فأضاف الإغواء إلى الله على ما هو مذهب الجبر وهذا يدل على أنه متحير في هذه المسألة.
وأما قوله: * (إلا عبادك منهم المخلصين) * ففيه فوائد:
الفائدة الأولى: قيل غرض إبليس من ذكره هذا الاستثناء أن لا يقع في كلامه الكذب لأنه لو لم يذكر هذا الاستثناء وادعى أنه يغوي الكل لكان يظهر كذبه حين يعجز عن إغواء عباد الله الصالحين، فكأن إبليس قال: إنما ذكرت هذا الاستثناء لئلا يقع الكذب في هذا الكلام، وعن هذا يقال: إن الكذب شيء يستنكف منه إبليس فكيف يليق بالمسلم الإقدام عليه؟ فإن قيل كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته) *؟ (الحج: 52 ) قلنا: إن إبليس لم يقل إني لم أقصد إغواء عباد الله الصالحين بل قال: لأغوينهم وهو وإن كان يقصد الإغواء إلا أنه لا يغويهم.
الفائدة الثانية: هذه الآية تدل على أن إبليس لا يغوي عباد الله المخلصين، وقال تعالى في صفة يوسف: * (إنه من عبادنا المخلصين) * (يوسف: 24) فنصل من مجموع هاتين الآيتين أن إبليس ما أغوي يوسف عليه السلام، وذلك يدل على كذب الحشوية فيما ينسبون إلى يوسف عليه السلام من القبائح. واعلم أن إبليس لما ذكر هذا الكلام قال الله تعالى: * (فالحق والحق أقول لأملأن جهنم وممن تبعك منهم أجمعين) * وفيه مسائل: