وهذا يدل على ان تشريف نعم العبد، إنما حصل لكونه أوابا، وسمعت بعضهم قال لما نزل قوله تعالى (نعم العبد) في حق سليمان عليه السلام تارة، وفي حق أيوب عليه السلام أخرى عظم الغم في قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا إن قوله تعالى: * (نعم العبد) * في حق سليمان تشريف عظيم، فإن احتجنا إلى اتفاق مملكة مثل مملكة سليمان حتى بحد هذا التشريف لم نقدر عليه، وإن احتجنا إلى تحمل بلاء مثل أيوب لم نقدر عليه، فكيف السبيل إلى تحصيله. فأنزل الله تعالى قوله: * (نعم المولى ونعم النصير) * (الأنفال: 40) والمراد أنك إن لم تكن * (نعم العبد) * فأنا * (نعم المولى) * وإن كان منك الفضول، فمني الفضل، وإن كان منك التقصير، فمني الرحمة والتيسير.
* (واذكر عبادنآ إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الايدى والابصار * إنآ أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الاخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار) * في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير: * (عبدنا) * على الواحد وهي قراءة ابن عباس، ويقول إن قوله: * (عبدنا) * تشريف عظيم، فوجب أن يكون هذا التشريف مخصوصا بأعظم الناس المذكورين في هذه الآية وهو إبراهيم وقرأ الباقون: * (عبادنا) * قالوا: لأن غير إبراهيم من الأنبياء قد أجري عليه هذا الوصف فجاء في عيسى: * (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) * (الزخرف: 59) وفي أيوب: * (نعم العبد) * (ص: 44) وفي نوح: * (إنه كان عبدا شكورا) * (الإسراء: 3) فمن قرأ (عبدنا) جعل إبراهيم وحده عطف بيان له، ثم عطف ذريته على عبدنا وهي إسحق ويعقوب، ومن قرأ (عبادنا) جعل إبراهيم وإسحق ويعقوب عذف بيان لعبادنا.
المسألة الثانية: تقدير آية كأنه تعالى قال: فاصبر على ما يقولون واذكر عبادنا داود إلى أن قال: واذكر عبادنا إبراهيم أي واذكر يا محمد صبر إبراهيم حين ألقي في النار، وصبر إسحق للذبح، وصب يعقوب حين فقد ولده وذهب بصره. ثم قال: * (أولي الأيدي والأبصار) *، واعلم أن اليد آلة لأكثر الأعمال والبصر آلة لأقوى الإدراكات، فحسن التعبير عن العمل باليد وعن الإدراك بالبصر. إذا عرفت هذا فنقول النفس الناطقة الإنسانية لها قوتان عاملة وعالمة، أما القوة العاملة فأشرف ما يصدر عنها طاعة الله، وأما القوة العالمة فأشرف ما يصدر عنها معرفة