ويكرر معه ما ذكره مع الأول ويكون فيه إشعار بأن الأول فيه نقيصة لا يستأهل للخطاب فيتنبه له ويدفع عن نفسه تلك النقيصة والآخر: أن لا يخرج إلى كلام أجنبي عن الأول، بل يأتي بما يقاربه لئلا يسمع الأول كلاما آخر فيترك التفكر فيما كان فيه من النصيحة.
المسألة الثالثة: هذا استدلال على قدرة الله واختياره حيث أخرج من الماء الواحد ممرات مختلفة وفيه لطائف الأولى: قال أنزل وقال أخرجنا. وقد ذكرنا فائدته ونعيدها فنقول: قال الله تعالى: * (ألم ترى أن الله أنزل) * فإن كان جاهلا يقول نزول الماء بالطبع لثقله فيقال له، فالإخراج لا يمكنك أن تقول فيه إنه بالطبع فهو بإرادة الله، فلما كان ذلك أظهر أسنده إلى المتكلم ووجه آخر: هو أن الله تعالى لما قال: * (إن الله أنزل) * علم الله بدليل، وقرب المتفكر فيه إلى الله تعالى فصار من الحاضرين، فقال له أخرجنا لقربه ووجه ثالث: الإخراج أتم نعمة من الإنزال، لأن الإنزال لفائدة الإخراج فأسند الأتم إلى نفسه بصيغة المتكلم وما دونه بصيغة الغائب.
قوله تعالى * (ومن الناس والدوآب والانعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) *.
اللطيفة الثانية: قال تعالى: * (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك) *.
كأن قائلا قال اختلاف الثمرات لاختلاف البقاع. ألا ترى أن بعض النباتات لا تنبت ببعض البلاد كالزعفران وغيره، فقال تعالى اختلاف البقاع ليس إلا بإرادة الله وإلا فلم صار بعض الجبال فيه مواضع حمر ومواضع بيض، والجدد جمع جدة وهي الخطة أو الطريقة، فإن قيل الواو في: * (ومن الجبال) * ما تقديرها؟ نقول هي تحتمل وجهين أحدهما: أن تكون للاستئناف كأنه قال تعالى وأخرجنا بالماء ثمرات مختلفة الألوان، وفي الأشياء الكائنات من الجبال جدد بيض دالة على القدرة، رادة على من ينكر الإرادة في اختلاف ألوان الثمار ثانيهما: أن تكون للعطف تقديرها وخلق من الجبال. قال الزمخشري: أراد ذو جدد واللطيفة الثالثة: ذكر الجبال ولم يذكر الأرض كما قال في موضع آخر: * (وفي الأرض قطع متجاورات) * مع أن هذا الدليل مثل ذلك، وذلك لأن الله تعالى لما ذكر في الأول: * (أخرجنا به ثمرات) * كان نفس إخراج الثمار دليلا على القدرة ثم زاد عليه بيانا، وقال مختلفا كذلك في الجبال في نفسها دليل للقدرة والإرادة، لأن كون الجبال في بعض نواحي الأرض دون بعضها والاختلاف الذي في هيئة الجبل فإن بعضها يكون أخفض وبعضها أرفع دليل القدرة والاختيار، ثم زاده بيانا وقال جدد بيض، أي مع دلالتها بنفسها هي دالة باختلاف ألوانها، كما أن إخراج الثمرات في نفسها دلائل واختلاف