على صحة مذهبهم في هاتين المسألتين بقوله: * (أليس الله بعزيز ذي انتقام) * ولو كان الخالق للكفر فيهم هو الله لكان الانتقام والتهديد غير لائق به.
قوله تعالى * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادنى الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادنى برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبى الله عليه يتوكل المتوكلون * قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إنى عامل فسوف تعلمون * من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) *.
اعلم أنه تعالى لما أطنب في وعيد المشركين وفي وعد الموحدين، عاد إلى إقامة الدليل على تزييف طريقة عبدة الأصنام، وبنى هذا التزييف على أصلين:
الأصل الأول: هو أن هؤلاء المشركين مقرون بوجود الإله القادر العالم الحكيم الرحيم وهو المراد بقوله: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * واعلم أن من الناس من قال إن العلم بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم متفق عليه بين جمهور الخلائق لا نزاع بينهم فيه، وفطرة العقل شاهدة بصحة هذا العلم فإن من تأمل في عجائب أحوال السماوات والأرض وفي عجائب أحوال النبات والحيوان خاصة وفي عجائب بدن الإنسان وما فيه من أنواع الحكم الغريبة والمصالح العجيبة، علم أنه لا بد من الاعتراف بالإله القادر الحكيم الرحيم.
والأصل الثاني: أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر وهو المراد من قوله: * (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته) * فثبت أنه لا بد من الإقرار بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم، وثبت أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر، وإذا كان الأمر كذلك كانت عبادة الله كافية، وكان الاعتماد عليه كافيا وهو المراد من قوله: * (قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) * فإذا ثبت هذا الأصل لم يلتفت العاقل