ظالم كفر بك وبما أنزل إليك ومقتصد آمن بك وبما إنزل إليك ومقتصد آمن بك ولم يأت بجميع ما أمرته به وسابق آمن وعمل صالحا وثالثها: قوله: * (جنات عدن يدخلونها) * الداخلون هم المذكورون وعلى ما ذكرتم لا يكون الظالم داخلا، نقول الداخلون هم السابقون، وأما المقتصد فأمره موقوف أو هو يدخل النار أو لا ثم يدخل الجنة والبيان لأول الأمر لا لما بعده، ويدل عليه قوله: * (يحلون فيها من أساور من ذهب) * وقوله: * (أذهب عنا الحزن) *.
قوله تعالى * (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) *.
ثم قال: * (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) *.
وفي الداخلين وجوه أحدها: الأقسام الثلاثة وهي على قولنا أن الظالم والمقتصد والسابق أقسام المؤمنين والثاني: الذين يتلون كتاب الله والثالث: هم السابقون وهو أقوى لقرب ذكرهم ولأنه ذكر إكرامهم بقوله: * (يحلون) * فالمكرم هو السابق وعلى هذا فيه أبحاث:
الأول: تقديم الفاعل على الفعل وتأخير المفعول عنه موافق لترتيب المعنى إذا كان المفعول حقيقيا كقولنا: * (الله خلق السماوات) * وقول القائل: زيد بني الجدار فإن الله موجود قبل كل شيء، ثم له فعل هو الخلق، ثم حصل به المفعول وهو السماوات، وكذلك زيد قبل البناء ثم الجدار من بنائه، وإذا لم يكن المفعول حقيقيا كقولنا زيد دخل الدار وضرب عمرا فإن الدار في الحقيقة ليس مفعولا للداخل وإنما فعل من أفعال تحقق بالنسبة إلى الدار، وكذلك عمرو فعل من أفعال زيد تعلق به فسمى مفعولا لا يحصل هذا الترتيب، ولكن الأصل تقديم الفاعل على المفعول ولهذا يعاد المفعول المقدم بالضمير تقول عمرا ضربه زيد فتوقعه بعد الفعل بالهاء العائدة إليه وحينئذ يطول الكلام فلا يختاره الحكيم إلا لفائدة، فما الفائدة في تقديم الجنات على الفعل الذي هو الدخول وإعادة ذكر بالهاء في يدخلونها، وما الفرق بين هذا وبين قول القائل يدخلونها جنات عدن؟ نقول السامع إذا علم أن له مدخلا من المداخل وله دخول ولم يعلم عين المدخل فإذا قيل له أنت تدخل فإلى أن يسمع الدار أو السوق يبقى متعلق القلب بأنه في أي المداخل يكون، فإذا قيل له دار زيد تدخلها فبذكر الدار، يعلم مدخله وبما عنده من العلم السابق إن له دخولا يعلم الدخول فلا يبقى له توقف ولا سيما الجنة والنار، فإن بني المدخلين بونا بعيدا الثاني: قوله: * (يحلون فيها) * إشارة إلى سرعة الدخول فإن التحلية لو وقعت خارجا لكان فيه تأخير الدخول فقال: * (يدخلونها) * وفيها تقع تحليتهم الثالث: قوله: * (من أساور) * بجمع الجمع فإنه جمع أسورة وهي جمع سوار، وقوله: * (ولباسهم فيها حرير) * ليس كذلك لأن الإكثار من اللباس