تقريرا للتوحيد وإبطالا للإشراك، وقوله: * (أرأيتم) * المراد منه أخبروني، لأن الاستفهام يستدعي جوابا، يقول القائل أرأيت ماذا فعل زيد؟ فيقول السامع باع أو اشترى، ولولا تضمنه معنى أخبرني وإلا لما كان الجواب إلا قوله لا أو نعم، وقوله: * (شركاءكم) * إنما أضاف الشركاء إليهم من حيث إن الأصنام في الحقيقة لم تكن شركاء لله، وإنما هم جعلوها شركاء، فقال شركاءكم، أي الشركاء يجعلكم ويحتمل أن يقال شركاءكم، أي شركاءكم في النار لقوله: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) * وهو قريب، ويحتمل أن يقال هو بعيد لاتفاق المفسرين على الأول وقوله: * (أروني) * بدل عن * (أرأيتم) * لأن كليهما يفيد معنى أخبروني، ويحتمل أن يقال قوله: * (أرأيتم) * استفهام حقيقي و * (أروني) * أمر تعجيز للتبين، فلما قال: * (أرأيتم) * يعني أعلمتم هذه التي تدعونها كما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة، فإن كنتم تعلمونها عاجزة فكيف تعبدونها؟ وإن كان وقع لكم أن لها قدرة فأروني قدرتها في أي شيء هي، أهي في الأرض، كما قال بعضهم: إن الله إله السماء وهؤلاء آلهة الأرض، وهم الذين قالوا أمور الأرض من الكواكب والأصنام صورها؟ أم هي في السماوات، كما قال بعضهم: إن السماء خلقت باستعانة الملائكة والملائكة شركاء في خلق السماوات، وهذه الأصنام صورها؟ أم قدرتها في الشفاعة لكم، كما قال بعضهم إن الملائكة ما خلقوا شيئا ولكنهم مقربون عند الله فنعبدها ليشفعوا لنا، فهل معهم كتاب من الله فيه إذنه لهم بالشفاعة؟ وقوله: * (أم آتيناهم كتابا) * في العائد إليه الضمير وجهان أحدهما: أنه عائد إلى الشركاء، أي هل أتينا الشركاء كتابا وثانيهما: أنه عائد إلى المشركين، أي هل آتينا المشركين كتابا وعلى الأول فمعناه ما ذكرنا، أي هل مع ما جعل شريكا كتاب من الله فيه أن له شفاعة عند الله، فإن أحدا لا يشفع عنده إلا بإذنه، وعلى الثاني معناه أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ولا عقل لمن يعبد من لم يخلق من الأرض جزءا من الأجزاء ولا في السماء شيئا من الأشياء، وإما بالنقل ونحن ما آتينا المشركين كتابا فيه أمرنا بالسجود لهؤلاء ولو أمرنا لجاز كما أمرنا بالسجود لآدم وإلى جهة الكعبة، فهذه العبادة لا عقلية ولا نقلية فوعد بعضهم بعضا ليس إلا غرورا غرهم الشيطان وزين لهم عبادة الأصنام.
قوله تعالى * (إن الله يمسك السماوات والارض أن تزولا ولئن زالتآ إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا) *.
ثم لما بين أنه لا خلق للأصنام ولا قدرة لها ولا على جزء من الأجزاء بين أن الله قدير بقوله: * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا أن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا) * ويحتمل أن يقال لما بين شركهم قال مقتضى شركهم زوال السماوات والأرض كما قال تعالى: * (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا