خلق عليم) * يعلم الأصلي من الفضلي فيجمع الأجزاء الأصلي للآكل وينفخ فيها روحه ويجمع الأجزاء الأصلية للمأكول وينفخ فيها روحه، وكذلك يجمع الأجزاء المتفرقة في البقاع، المبددة في الأصقاع بحكمته الشاملة وقدرته الكاملة.
ثم إنه تعالى عاد إلى تقرير ما تقدم من دفع استبعادهم وإبطال إنكارهم وعنادهم. فقال تعالى:
* (الذى جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فإذآ أنتم منه توقدون) * ووجهه هو أن الإنسان مشتمل على جسم يحس به وحياة سارية فيه، وهي كحرارة جارية فيه فإن استبعدتم وجود حرارة وحياة فيه فلا تستبعدوه، فإن النار في الشجر الأخضر الذي يقطر منه الماء أعجب وأغرب وأنتم تحضرون حيث من توقدون، وإن استبعدتم خلق جسمه فخلق السماوات والأرض أكبر من خلق أنفسكم فلا تستبعدوه فإن الله خلق السماوات والأرض فبان لطف قوله تعالى: * (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) *.
* (أو ليس الذى خلق السماوات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم) * وقوله تعالى: * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) * قدم ذكر النار في الشجر على ذكر الخلق الأكبر، لأن استبعادهم كان بالصريح واقعا على الأحياء حيث قالوا: * (من يحيي العظام) * (يس: 78) ولم يقولوا من يجمعها ويؤلفها والنار في الشجر تناسب الحياة.
وقوله تعالى: * (بلى وهو الخلاق) * إشارة إلى أنه في القدرة كامل. وقوله تعالى: * (العليم) * إشارة إلى أن علمه شامل. ثم أكد بيانه بقوله تعالى:
* (إنمآ أمره إذآ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * وهذا إظهار فساد تمثيلهم وتشبيههم وضرب مثلهم حيث ضربوا لله مثلا وقالوا لا يقدر أحد على مثل هذا قياسا للغائب على الشاهد فقال في الشاهد الخلق يكون بالآلات البدنية والانتقالات المكانية ولا يقع إلا في الأزمنة الممتدة والله يخلق بكن فيكون، فكيف تضربون المثل الأدنى وله المثل الأعلى من أن يدرك. وفي الآية مباحث:
البحث الأول: قالت المعتزلة هذه الآية دالة على أن المعدوم شيء لأنه يقول لما أراده: * (كن فيكون) * فهو قبل القول له كن لا يكون وهو في تلك الحالة شيء حيث قال: * (إنما أمره إذا أراد شيئا) * والجواب أن هذا بيان لعدم تخلف الشيء عن تعلق إرادته به، فقوله: * (إذا) * مفهوم