المعنى لمراعاة اللفظ والوزن، فالشارع يكون اللفظ منه تبعا للمعنى، والشاعر: يكون المعنى منه تبعا للفظ، لأنه يقصد لفظا به يصح وزن الشعر أو قافيته فيحتاج إلى التحيل لمعنى يأتي به لأجل ذلك اللفظ، وعلى هذا نقول: الشعر هو الكلام الموزون الذي قصد إلى وزنه قصدا أوليا، وأما من يقصد المعنى فيصدر موزونا مقفى فلا يكون شاعرا، ألا ترى إلى قوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (آل عمران: 92) ليس بشعر، والشاعر إذا صدر منه كلام فيه متحركات وساكنات بعدد ما في الآية تقطيعه بفاعلاتن فاعلاتن يكون شعرا لأنه قصد الإتيان بألفاظ حروفها متحركة وساكنة كذلك والمعنى تبعه، والحكيم قصد المعنى فجاء على تلك الألفاظ، وعلى هذا يحصل الجواب عن قول من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بيت شعر وهو قوله: أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب أو بيتين لأنا نقول ذلك ليس بشعر لعدم قصده إلى الوزن والقافية، وعلى هذا لو صدر من النبي صلى الله عليه وسلم كلام كثير موزون مقفى لا يكون شعرا، لعدم قصده اللفظ قصدا أوليا، ويؤيد ما ذكرنا أنك إذا تتبعت كلام الناس في الأسواق تجد فيه ما يكون موزونا واقعا في بحر من بحور الشعر ولا يسمى المتكلم به شاعرا ولا الكلام شعرا لفقد القصد إلى اللفظ أولا، ثم قوله تعالى: * (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) * يحقق ذلك المعنى أي هو ذكر وموعظة للقصد إلى المعنى، والشعر لفظ مزخرف بالقافية والوزن وههنا لطيفة: وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من الشعر لحكمة " يعني: قد يقصد الشاعر اللفظ فيوافقه معنى حكمي كما أن الحكيم قد يقصد معنى فيوافقه وزن شعري، لكن الحكيم بسبب ذلك الوزن لا يصير شاعرا والشاعر بسبب ذلك الذكر يصير حكيما حيث سمي النبي صلى الله عليه وسلم شعره حكمة، ونفى الله كون النبي شاعرا والشاعر بسبب ذلك الذكر يصير حكيما حيث سمي النبي صلى الله عليه وسلم شعره حكمة، ونفي الله كون النبي شاعرا، وذلك لأن اللفظ قالت المعنى والمعنى: قلب اللفظ وروحه فإذا وجد القلب لا نظر إلى القالب، فيكون الحكيم الموزون كلامه حكيما، ولا يخرجه عن الحكمة وزن كلامه، والشاعر الموعظ كلامه حكيما.
* (لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين) * قرئ بالتاء والياء، خطابا مع النبي صلى الله عليه وسلم وبالياء على وجهين أحدهما: أن يكون المنذر هو النبي صلى الله عليه وسلم حيث سبق ذكره في قوله: * (وما علمناه) * (يس: 69) وقوله: * (وما ينبغي له) * (يس: 69). وثانيهما: أن يكون المراد أن القرآن ينذر والأول أقرب إلى المعنى والثاني: أقرب إل اللفظ، أما الأول: فلأن المنذر صفة للرسل أكثر ورودا من المنذر صفة للكتب وأما الثاني: فلأن القرآن أقرب المذكورين إلى قوله: * (لينذر) * وقوله: * (من كان حيا) * أي: من