عليك فالإنذار بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس كعدم الإنذار لأن أحدهما مخرج له عن العهدة وسبب في زيادة سيادته عاجلا وسعادته آجلا، وأما بالنسبة إليهم على السواء فإنذار النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج عما عليه وينال ثواب الإنذار وإن لم ينتفعوا به لما كتب عليهم من البوار في دار القرار.
* (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشى الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم) *.
ثم قال تعالى: * (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم) * والترتيب ظاهر وفي التفسير مسائل:
المسألة الأولى: قال من قبل: * (لتنذر) * وذلك يقتضي الإنذار العام على ما بينا وقال: * (إنما تنذر) * وهو يقضي التخصيص فكيف الجمع بينهما؟ نقول من وجوه: الأول: هو أن قوله: * (لتنذر) * أي كيفما كان سواء كان مفيدا أو لم يكن وقوله: * (إنما تنذر) * أي الإنذار المفيد لا يكون إلا بالنسبة إلى من يتبع الذكر ويخشى الثاني: هو أن الله تعالى لما قال إن الإرسال والإنزال، وذكر أن الإنذار وعدمه سيان بالنسبة إلى أهل العناد قال لنبيه: ليس إنذارك غير مفيد من جميع الوجوه فأنذر على سبيل العموم وإنما تنذر بذلك الإنذار العام من يتبع الذكر كأنه يقول: يا محمد إنك بإنذارك تهدي ولا تدري من تهدي فأنذر الأسود والأحمر ومقصودك من يتبع إنذارك وينتفع بذكراك الثالث: هو أن نقول قوله: * (لتنذر) * أي أولا فإذا أنذرت وبالغت وبلغت واستهزأ البعض وتولى واستكبر وولى، فأعرض بعد ذلك فإنما تنذر الذين اتبعوك الرابع: وهو قريب من الثالث إنك تنذر الكل بالأصول، وإنما تنذر بالفروع من ترك الصلاة والزكاة من اتبع الذكر وآمن.
المسألة الثانية: قوله: * (من اتبع الذكر) * يحتمل وجوها الأول: وهو المشهور من اتبع القرآن الثاني: من اتبع ما في القرآن من الآيات ويدل عليه قوله تعالى: * (والقرآن ذي الذكر) * فما جعل القرآن نفس الذكر الثالث: من اتبع البرهان فإنه ذكر يكمل الفطرة وعلى كل وجه فمعناه: إنما تنذر العلماء الذين يخشون وهو كقوله تعالى: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * وكقوله تعالى: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * فقوله: * (اتبع الذكر) * أي آمن، وقوله: * (وخشي الرحمن) * أي عمل صالحا وهذا الوجه يتأيد بقوله: * (فبشره بمغفرة وأجر كريم) * لأنا ذكرنا مرارا أن الغفران جزاء الإيمان فكل مؤمن مغفور والأجر الكريم جزاء العمل كما قال تعالى: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم) * وتفسير الذكر بالقرآن يتأيد بتعريف الذكر بالألف واللام، وقد تقدم ذكر القرآن في قوله تعالى: * (والقرآن الحكيم) * وقوله: * (وخشي الرحمن) * فيه لطيفة وهي أن الرحمة تورث الاتكال والرجاء فقال مع أنه رحمن ورحيم فالعاقل