فههنا يدل على ذلك التشريف لداود فكان ذلك دليلا على علو درجته أيضا، فإن وصف الله تعالى الأنبياء بعبوديته مشعر بأنهم قد حققوا معنى العبودية بسبب الاجتهاد في الطاعة والثالث: قوله: * (ذا الأيد) * أي ذا القوة على أداء الطاعة والاحتراز عن المعاصي، وذلك لأنه تعالى لما مدحه بالقوة وجب أن تكون تلك القوة موجبة للمدح، والقوة التي توجب المدح العظيم ليست إلا القوة على فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه * (والأيد) * المذكور ههنا كالقوة المذكورة في قوله: * (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) * (مريم: 12) وقوله تعالى: * (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة) * (الأعراف: 145) أي باجتهاد في أداء الأمانة وتشدد في القيام بالدعوة وترك إظهار الوهن والضعف والأيد والقوة سواء ومنه قوله تعالى: * (هو الذي أيدك بنصره) * (الأنفال: 62) وقوله تعالى: * (وأيدناه بروح القدس) * (البقرة: 87) وقال: * (والسماء بنيناها بأيد) * (الذاريات: 47) وعن قتادة أعطى قوة في العبادة وفقها في الدين، وكان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر الرابع: قوله: * (إنه أواب) * أي أن داود كان رجاعا في أموره كلها إلى طاعتي والأواب فعال من آب إذا رجع كما قال تعالى: * (إن إلينا إيابهم) * (الغاشية: 25) وفعال بناء المبالغة كما يقال قتال وضراب فإنه أبلغ من قاتل وضارب الخامس: قوله تعالى: * (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق) * ونظير هذه الآية قوله تعالى: * (يا جبال أوبي معه والطير) * (سبأ: 10) وفيه مباحث:
البحث الأول: وفيه وجوه الأول: أن الله سبحانه خلق في جسم الجبل حياة وعقلا وقدرة ومنطقا وحينئذ صار الجبل مسبحا لله تعالى ونظيره قوله تعالى: * (فلما تجلى ربه للجبل) * (الأعراف: 143) فإن معناه أنه تعالى خلق في الجبل عقلا وقدرة ومنطقا وحينئذ صار الجبل مسبحا صلى الله عليه وسلم تعالى ونظيره قوله تعالى: * (فلما تجلى ربه للجبل) * (الأعراف: 143) فإن معناه أنه تعالى خلق في الجبل عقلا وفهما، ثم خلق فيه رؤية الله تعالى فكذا ههنا الثاني: في التأويل ما رواه القفال في تفسيره أنه يجوز أن يقال إن داود عليه السلام قد أوتي من شدة الصوت وحسنه ما كان له في الجبال دوي حسن، وما يصغي الطير إليه لحسنه فيكون دوي الجبال وتصويت الطير معه وإصغاؤه إليه تسبيحا، وذكر محمد بن إسحاق أن الله تعالى لم يعط أحدا من خلقه مثل صوت داود حتى أنها كانت تسير إلى حيث يريده داود وجعل ذلك السير تسبيحا لأنه كان يدل على كمال قدرة الله تعالى وحكمته.
البحث الثاني: قال صاحب " الكشاف " * (يسبحن) * في معنى مسبحات، فإن قالوا هل من فرق بين يسبحن ومسبحات قلنا نعم، فإن صيغة الفعل تدل على الحدوث التجدد، وصيغة الاسم على الدوام على ما بينه عبد القاهر النحوي في كتاب دلائل الإعجاز، إذا ثبت هذا فنقول قوله: * (يسبحن) * يدل على