المقصود الضر واقع بكم ولأجل دفع المانع قال الضر والنفع.
المسألة الثانية: قال ههنا: * (إن يردن الرحمن) * وقال في الزمر: * (إن أرادني الله) * (الزمر: 38) فما الحكمة في اختيار صيغة الماضي هنالك واختيار صيغة المضارع ههنا وذكر المريد باسم الرحمن هنا وذكر المريد باسم الله هناك؟ نقول أما الماضي والمستقبل فإن إن في الشرط تصير الماضي مستقبلا وذلك لأن المذكور ههنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله: * (أأتخذ) * وقوله: * (وما لي لا أعبد) * (يس: 22) والمذكور هناك من قبل بصيغة الماضي في قوله: * (أفرأيتم) * (الزمر: 38) وكذلك في قوله تعالى: * (وإن يمسسك الله بضر) * (الأنعام: 17) لكون المتقدم عليه مذكورا بصيغة المستقبل وهو قوله: * (ومن يصرف عنه) * (الأنعام: 16) وقوله: * (إني أخاف إن عصيت) * (الأنعام: 15) والحكمة فيه هو أن الكفار كانوا يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم بضر يصيبه من آلهتهم فكأنه قال صدر منكم التخويف، وهذا ما سبق منكم، وههنا ابتداء كلام صدر من المؤمن للتقرير، والجواب ما كان يمكن صدوره منهم فافترق الأمران، وأما قوله هناك: * (إن أرادني الله) * (الزمر: 38) فنقول قد ذكرنا أن الاسمين المختصين بواجب الوجود الله والرحمن كما قال تعالى: * (قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن) * (الإسراء: 110) والله للهيبة والعظمة الرحمن للرأفة والرحمة، وهناك وصف الله بالعزة والانتقام في قوله: * (أليس الله بعزيز ذي انتقام) * (الزمر: 37) وذكر ما يدل على العظمة ما يدل على العظمة بقوله: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض) * (العنكبوت: 61) فذكر الاسم الدال على العظمة وقال ههنا ما يدل على الرحمة بقوله: * (الذي فطرني) * (يس: 22) فإنه نعمة هي شرط سائر النعم فقال: * (إن يردن الرحمن بضر) * ثم قال تعالى: * (لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقدون) * على ترتيب ما يقع من العقلاء، وذلك لأن من يريد دفع الضر عن شخص أضر به شخص يدفع بالوجه الأحسن فيشفع أو لا فإن قبله ولا يدفع فقال: لا تغن عني شفاعتهم ولا يقدرون على إنقاذي بوجه من الوجوه، وفي هذه الآيات حصل بيان أن الله تعالى معبود من كل وجه إن كان نظرا إلى جانبه فهو فاطر ورب مالك يستحق العبادة سواء أحسن بعد ذلك أو لم يحسن وإن كان نظرا إلى إحسانه فهو رحمن، وإن كان نظرا إلى الخوف فهو يدفع ضره، وحصل بيان أن غيره لا يصلح أن يعبد بوجه من الوجوه، فإن أدنى مراتبه أن يعد ذلك ليوم كريهة وغير الله لا يدفع شيئا إلا إذا أراد الله وإن يرد فلا حاجة إلى دافع. ثم قال تعالى:
* (إنى إذا لفى ضلال مبين) * يعني إن فعلت فأنا ضال ضلالا بينا، والمبين مفعل بمعنى فعيل كما جاء عكسه فعيل بمعنى مفعل في قوله أليم أي مؤلم، ويمكن أن يقال ضلال مبين أي مظهور الأمر للناظر والأول هو الصحيح. ثم قال تعالى:
* (إنى ءامنت بربكم فاسمعون) * في المخاطب بقوله: * (بربكم) * وجوه أحدها: