فالشمس تجري مجرى مستقرها، وقالت الفلاسفة تجري لمستقرها أي لأمر لو وجدها لاستقر وهو استخراج الأوضاع الممكنة وهو في غاية السقوط، وأجاب الله عنه بقوله: * (ذلك تقدير العزيز العليم) * أي ليس لإرادتها وإنما ذلك بإرادة الله وتقديره وتدبيره وتسخيره إياها، فإن قيل عددت الوجوه الكثيرة وما ذكرت المختار، فما الوجه المختار عندك؟ نقول المختار هو أن المراد من المستقر المكان أن تجري لبلوغ مستقرها وهو غاية الارتفاع والانخفاض فإن ذلك يشمل المشارق والمغارب والمجرى الذي لا يختلف والزمان وهو السنة والليل فهو أتم فائدة، وقوله: * (ذلك) * يحتمل أن يكون إشارة إلى جري الشمس أي ذلك الجري تقدير الله ويحتمل أن يكون إشارة إلى المستقر أي لمستقر لها وذلك المستقر تقدير الله والعزيز الغالب وهو بكمال القدرة يغلب، والعليم كامل العلم أي الذي قدر على إجرائها على الوجه الأنفع وعلم الأنفع فأجراها على ذلك، وبيانه من وجوه الأول: هو أن الشمس في ستة أشهر كل يوم تمر على مسامتة شيء لم تمر من أمسها على تلك المسامتة، ولو قدر الله مرورها على مسامتة واحدة لاحترقت الأرض التي هي مسامتة لممرها وبقي المجموع مستوليا على الأماكن الأخر فقدر الله لها بعدا لتجمع الرطوبات في باطن الأرض والأشجار في زمان الشتاء ثم قدر قربها بتدريج لتخرج النبات والثمار من الأرض والشجر وتضج وتجفف، ثم تبعد لئلا يحترق وجه الأرض وأغصان الأشجار الثاني: هو أن الله قدر لها في كل يوم طلوعا وفي كل ليلة غروبا لئلا تكون القوى والأبصار بالسهر والتعب ولا يخرب العالم بترك العمارة بسبب الظلمة الدائمة، الثالث: جعل سيرها أبطأ من سير القمر وأسرع من سير زحل لأنها كاملة النور فلو كانت بطيئة السير لدامت زمانا كثيرا في مسامتة شيء واحد فتحرقه، ولو كانت سريعة السير لما حصر لها لبث بقدر ما ينضج الثمار في بقعة واحدة. ثم قال تعالى:
* (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) * قال الزمخشري: لا بد من تقدير لفظ يتم به معنى الكلام لأن القمر لم يجعل نفسه منازل فالمعنى أنا قدرنا سيره منازل وعلى ما ذكره يحتمل أن يقال المراد منه، والقمر قدرناه ذا منازل لأن ذا الشيء قريب من الشيء ولهذا جاز قول القائل عيشة راضية لأن ذا الشيء كالقائم به الشيء فأتوا بلفظ الوصف. وقوله: * (حتى عاد كالعرجون القديم) * أسي رجع في الدقة إلى حالته التي كان عليها من قبل. والعرجون من الانعراج يقال لعود العذق عرجون، والقديم المتقادم الزمان، قيل إن ما غبر عليه سنة فهو قديم، والصحيح أن هذه بعينها لا تشترط في جواز إطلاق القديم عليه وإنما تعتبر العادة، حتى لا يقال لمدينة بنيت من سنة وسنتين إنهاء بناء قديم أو هي قديمة