ثم قال تعالى: * (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) * أي ما أغنى عنهم ذلك الاعتقاد الباطل والقول الفاسد الذي اكتسبوه من عذاب الله شيئا بل أصابهم سيئات ما كسبوا، ولما بين في أولئك المتقدمين أنهم أصابهم سيئات ما كسبوا أي عذاب عقائدهم الباطلة وأقوالهم الفاسدة قال: * (وما هم بمعجزين) * أي لا يعجزونني في الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى: * (أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * يعني: أو لم يعلموا أن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء تارة، ويقبض تارة أخرى، وقوله: * (ويقدر) * أي ويقتر ويضيق، والدليل عليه أنا نرى الناس مختلفين في سعة الرزق وضيقه ولا بد له من سبب، وذلك السبب ليس هو عقل الرجل وجهله، لأنا نرى العاقل القادر في أشد الضيق، ونرى الجاهل المريض الضعيف في أعظم السعة، وليس ذلك أيضا لأجل الطبائع والأنجم والأفلاك لأن في الساعة التي ولد فيها ذلك الملك الكبير والسلطان القاهر، قد ولد فيه أيضا عالم من الناس وعالم من الحيوانات غير الإنسان، ويولد أيضا في تلك الساعة عالم من النبات، فلما شاهدنا حدوث هذه الأشياء الكثيرة في تلك الساعة الواحدة مع كونها مختلفة في السعادة والشقاوة، علمنا أنه ليس المؤثر في السعادة والشقاوة هو الطالع، ولما بطلت هذه الأقسام، علمنا أن المؤثر فيه هو الله سبحانه، وصح بهذا البرهان العقلي القاطع على صحة قوله تعالى: * (أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) *.
قال الشاعر:
فلا السعد يقضي به المشترى * ولا النحس يقضي علينا زحل ولكنه حكم رب السماء * وقاضي القضاة تعالى وجل