وينكسر ومنها ما يثقبه ثاقب فيرسب وكل ذلك بمشيئة الله فإن شاء الله إغراقهم من غير شيء من هذه الأسباب كما هو مذهب أهل السنة أو بشيء من تلك الأسباب كما تسلم أنت. وقوله تعالى: * (فلا صريخ لهم) * أي لا مغيث لهم يمنع عنهم الغرق.
وقوله تعالى: * (ولا هم ينقذون) * إذا أدركهم الغرق وذلك لأن الخلاص من العذاب، إما أن يكون بدفع العذاب من أصله أو برفعه بعد وقوعه فقال: لا صريخ لهم يدفع ولا هم ينقذون بعد الوقوع فيه، وهذا مثل قوله تعالى: * (لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون) * فقوله: * (لا صريخ لهم ولا هم ينقذون) * فيه فائدة أخرى غير الحصر وهي أنه تعالى قال لا صريخ لهم ولم يقل ولا منقذ لهم وذلك لأن من لا يكون من شأنه أن ينصر لا يشرع في النصرة مخافة أن يغلب ويذهب ماء وجهه، وإنما ينصر ويغيث من يكون من شأنه أن يغيث فقال لا صريخ لهم، وأما من لا يكون من شأنه أن ينقذ إذا رأى من يعز عليه في ضر يشرع في الإنقاذ، وإن لم يثق بنفسه في الإنقاذ ولا يغلب على ظنه. وإنما يبذل المجهود فقال: * (ولا هم ينقذون) * ولم يقل ولا منقد لهم.
* (إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين) * ثم استثنى فقال:
وهو يفيد أمرين أحدهما: انقسام الإنقاذ إلى قسمين الرحمة والمتاع، أي فيمن علم الله منه أنه يؤمن فينقذه الله رحمة، وفيمن علم أنه لا يؤمن فليتمتع زمانا ويزداد إثما وثانيهما: أنه بيان لكون الإنقاذ غير مفيد للدوام بل الزوال في الدنيا لا بد منه فينقذه الله رحمة ويمتعه إلى حين، ثم يميته فالزوال لازم أن يقع. ثم قال تعالى:
* (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون) * وجه تعلق الآية بما قبلها هو أن الله تعالى لما عدد الآيات بقوله: * (وآية لهم الأرض... وآية لهم الليل... وآية لهم أنا حملنا ذريتهم) * (يس: 33، 37، 41) وكانت الآيات تفيد اليقين وتوجب القطع بما قال تعالى ولم تفدهم اليقين، قال فلا أقل من أن يحترزوا عن العذاب فإن من أخبر بوقوع عذاب يتقيه، وإن لم يقطع بصدق قول المخبر احتياطا فقال تعالى إذا ذكر لهم الدليل القاطع لا يتعرفون به وإذا قيل لهم اتقوا لا يتقون فهم في غاية الجهل ونهاية الغفلة، لا مثل العلماء الذين يتبعون البرهان، ولا مثل العامة الذين يبنون الأمر على الأحوط، ويدل على ما ذكرنا قوله تعالى: * (لعلكم ترحمون) * بحرف التمني أي في ظنكم فإن من يخفى عليه وجه البرهان. لا يترك طريقة الاحتراز والاحتياط، وجواب قوله: * (إذا قيل لهم اتقوا) * محذوف معناه وإذا قيل لهم ذلك لا يتقون أو يعرضون، وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه وهو قوله تعالى: * (وما تأتيهم من رية من آيات ربهم) * (الأنعام: 4) وفي قوله تعالى: * (ما بين أيديكم وما خلفكم) *