وإبليس الذي لم يسجد هو القوة الوهمية التي هي المنازعة لجوهر العقل، والكلام فيه طويل. وأما بقية المسائل وهي: كيفية سجود الملائكة لآدم، وأن ذلك هل يدل على كونه أفضل من الملائكة أم لا، وأن إبليس هل كان من الملائكة أم لا، وأنه هل كان كافرا، أصليا أم لا، فكل ذلك تقدم في سورة البقرة وغيرها.
المسألة الرابعة: احتج من أثبت الأعضاء والجوارح لله تعالى بقوله تعالى: * (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) * في إثبات يدين لله تعالى، بأن قالوا ظاهر الآية يدل عليه، فوجب المصير إليه، والآيات الكثيرة واردة على وفق هذه الآية، فوجب القطع به.
واعلم أن الدلائل الدالة على نفي كونه تعالى جسما مركبا من الأجزاء والأعضاء، قد سبقت إلا أنا نذكر ههنا نكتا جاريا مجرى الإلزامات الظاهرة فالأول: أن من قال إنه مركب من الأعضاء والأجزاء، فإما أن يثبت الأعضاء التي ورد ذكرها في القرآن ولا يزيد عليها، وإما أن يزيد عليها، فإن كان الأول لزمه إثبات صورة لا يمكن أن يزاد عليها في القبح، لأنه يلزمه إثبات وجه بحيث لا يوجد منه إلا مجرد رقعة الوجه لقوله: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88) ويلزمه أن يثبت في تلك الرقعة عيونا كثيرة لقوله: * (تجري بأعيننا) * (القمر: 14) وأن يثبت جنبا واحدا لقوله تعالى: * (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) * (الزمر: 56) وأن يثبت على ذلك الجنب أيدي كثيرة لقوله تعالى: * (مما عملت أيدينا) * (يس: 71) وبتقدير أن يكون له يدان فإنه يجب أن يكون كلاهما على جانب واحد لقوله صلى الله عليه وسلم: " الحجر الأسود يمين الله في الأرض " وأن يثبت له ساقا واحدا لقوله تعالى: * (يوم يكشف عن ساق) * (القلم: 42) فيكون الحاصل من هذه الصورة، مجرد رقعة الوجه ويكون عليها عيون كثيرة، وجنب واحد ويكون عليه أيد كثيرة وساق واحد، ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور، ولو كان هذا عبدا لم يرغب أحد في شرائه، فكيف يقول العاقل إن رب العالمين موصوف بهذه الصورة.
وأما القسم الثاني: وهو أن لا يقتصر على الأعضاء المذكورة في القرآن، بل يزيد وينقص على وفق التأويلات، فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظواهر، ولا بد له من قبول دلائل العقل.
الحجة الثانية: في إبطال قولهم إنهم إذا أثبتوا الأعضاء لله تعالى، فإن أثبتوا له عضو الرجل فهو رجل وأن أثبتوا له عضو النساء فهو أنثى، وإن نفوهما فهو خصي أو عنين، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
الحجة الثالثة: أنه في ذاته سبحانه وتعالى، إما أن يكون جسما صلبا لا ينغمز البتة، فيكون حجرا صلبا، وإما أن يكون قابلا للانغماز، فيكون لينا قابلا للتفرق والتمزق. وتعالى الله عن ذلك.
الحجة الرابعة: أنه إن كان بحيث لا يمكنه أن يتحرك عن مكانه، كان كالزمن المعقد العاجز، وإن كان بحيث يمكنه أن يتحرك عن مكانه، كان محلا للتغيرات، فدخل تحت قوله: * (لا أحب الآفلين) * (الأنعام: 76).