في الدنيا أولا، ثم مع الذين كانوا أعداء لهم في الدنيا ثانيا أما الأول: فهو قوله: * (هذا فوج مقتحم معكم) * واعلم أن هذا حكاية كلام رؤساء أهل النار يقوله بعضهم لبعض بدليل أن ما حكى بعد هذا من أقوال الأتباع وهو قوله: * (قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا) *، وقيل إن قوله: * (هذا فوج مقتحم معكم) * كلام الخزنة لرؤساء الكفرة في أتباعهم، وقوله: * (لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار) * كلام الرؤساء، وقوله: * (هذا فوج مقتحم معكم) * أي هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار كما كانوا قد اقتحموا معكم في الجهل والضلال، ومعنى اقتحم معكم النار أي دخل النار في صحبتكم، والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها، والقحمة الشدة.
وقوله تعالى: * (لا مرحبا بهم) * دعاء منهم على أتباعهم، يقول الرجل لمن يدعو له مرحبا أي أتيت رحبا في البلاد لا ضيقا أو رحبت بلادك رحبا، ثم يدخل عليه كلمة لا في دعاء السوء، وقوله: * (بهم) * بيان للمدعو عليهم أنهم صالوا النار تعليل لاستيجابهم الدعاء عليهم، ونظير هذه الآية قوله تعالى: * (كلما دخلت أمة لعنت أختها) * (الأعراف: 38) قالوا أي الأتباع * (بل أنتم لا مرحبا بكم) * يريدون أن الدعاء الذي دعوتم به علينا أيها الرؤساء أنتم أحق به، وعللوا ذلك بقولهم: * (أنتم قدمتموه لنا) * والضمير للعذاب أو لصليهم، فإن قيل ما معنى تقديمهم العذاب لهم؟ قلنا الذي أوجب التقديم هو عمل السوء قال تعالى: * (ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم) * (آل عمران: 181، 182) إلا أن الرؤساء لما كانوا هم السبب فيه بإغوائهم وكان العذاب جزاءهم عليه قيل أنتم قدمتموه لنا فجعل الرؤساء هم المقدمين وجعل الجزاء هو المقدم، والضمير في قوله: * (قدمتموه) * كناية عن الطغيان الذي دل عليه قوله: * (وإن للطاغين شر مآب) * وقوله: * (فبئس القرار) * أي: بئس المستقر والمسكن جهنم، ثم قالت الأتباع * (ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا) * أي مضاعفا ومعناه ذا ضعف ونظيره قوله تعالى: * (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا) * (الأعراف: 38) وكذلك قوله تعالى: * (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب) * (الأحزاب: 67، 68) فإن قيل كل مقدار يفرض من العذاب فإن كان بقدر الاستحقاق لم يكن مضاعفا، وإن كان زائدا عليه كان ظالما وإنه لا يجوز. قلنا المراد منه قوله عليه السلام: " ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " والمعنى أنه يكون أحد القسمين عذاب الضلال، والثاني عذاب الإضلال والله أعلم.
وهذا آخر شرح أحوال الكفار مع الذين كانوا أحبابا لهم في الدنيا، وأما شرح أحوالهم مع الذين كانوا أعداء لهم في الدنيا فهو قوله: * (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) * يعني أن الكفار إذا نظروا إلى جوانب جهنم فيحنئذ يقولون: * (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) * يعنون فقراء المسلمين الذين لا يؤبه بهم وسموهم من الأشرار، إما بمعنى الأراذل الذين لا خير فيهم ولا جدوى، أو لأنهم كانوا على خلاف دينهم فكانوا عندهم أشرارا ثم قالوا: * (اتخذناهم سخريا) * وفيه مسائل: