قلبه، فإذا زال الإصرار عن قلبه فبعد ذلك يسمعه الدليل الدال على بطلانه، فيكون هذا الطريق أقضى إلى المقصود. والأطباء يقولون: لا بد من تقديم المنضج على سقي المسهل فإن بتناول المنضج تصير المواد الفاسدة رخوة قابلة للزوال، فإذا سقيته المسهل بعد ذلك حصل النقاء التام، فكذلك ههنا سماع التهديد والتخويف أولا يجري مجرى سقي المنضج أولا، وإسماع الدليل ثانيا يجري مجرى سقي المسهل ثانيا. فهذا هو الفائدة في تقديم هذا التهديد.
ثم قال تعالى: * (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * والمراد أن من أصر على الكذب والكفر بقي محروما عن الهداية، والمراد بهذا الكذب وصفهم بهذه الأصنام بأنها آلهة مستحقة للعبادة مع علمهم بأنها جمادات خسيسة وهم نحتوها وتصرفوا فيها، والعلم الضروري حاصل بأن وصف هذه الأشياء بالإلهية كذب محض، وأما الكفر فيحتمل أن يكون المراد منه الكفر الراجع إلى الإعتقاد، والأمر ههنا كذلك فإن وصفهم لها بالإلهية كذب، واعتقادهم فيها بالإلهية جهل وكفر. ويحتمل أن يكون المراد كفران النعمة، والسبب فيه أن العبدة نهاية التعظيم ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه غاية الإنعام، وذلك المنعم هو الله سبحانه وتعالى وهذه الأوثان لا مدخل لها في ذلك الإنعام فالاشتغال بعبادة هذه الأوثان يوجب كفران نعمة المنعم الحق.
ثم قال تعالى: * (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار) * والمراد من هذا الكلام: إقامة الدلائل القاهرة على كونه منزها عن الولد وبيانه من وجوه الأول: أنه لو اتخذ ولدا لما رضي إلا بأكمل الأولاد وهو الابن فكيف نسبتم إليه البنت الثاني: أنه سبحانه واحد حقيقي والواحد الحقيقي يمتنع أن يكون له ولد، أما أنه واحد حقيقي فلأنه لو كان مركبا لاحتاج إلى كل واحد من أجزائه وجزؤه غيره، فكان يحتاج إلى غيره والمحتاج إلى الغير ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يكون واجب الوجود لذاته، وأما أن الواحد لا يكون له ولد فلوجوه الأول: أن الولد عبارة عن جزء من أجزاء الشيء ينفصل عنه، ثم يحصل له صورة مساوية لصورة الوالد. وهذا إنما يعقل في الشيء الذي ينفصل منه جزء والفرد المطلق لا يقال ذلك فيه الثاني: شرط الولد أن يكون مماثلا في تمام الماهية للوالد فتكون حقيقة ذلك الشيء حقيقة نوعية محمولة على شخصين، وذلك محال لأن تعيين كل واحد منهما إن كان من لوازم تلك الماهية لزم أن لا يحصل من تلك الماهية إلا الشخص الواحد، وإن لم يكن ذلك التعيين من لوازم تلك الماهية كان ذلك التعيين معلوما بسبب منفصل، فلا يكون إلها واجب الوجود لذاته. فثبت أن كونه إلها واجب الوجود لذاته يوجب كونه واحدا في حقيقته، وكونه واحدا في حقيقته يمنع من ثبوت الولد له، فثبت أن كونه واحدا يمنع من ثبوت الولد الثالث: أن الولد لا يحصل إلا من الزوج والزوجة والزوجان لا بد وأن يكونا من جنس واحد، فلو كان له ولد لما كان واحدا بل كانت زوجته من جنسه، وأما أن كونه قهارا يمنع من ثبوت الولد له، فلأن المحتاج إلى الولد هو الذي يموت فيحتاج