في الذات فهو أنهم يقولون لما كان كل موجود في الشاهد يجب أن يكون جسما ومختصا بحيز وجب في الغائب أن يكون كذلك، أما المشبهة في الأفعال فهم المعتزلة الذين يقولون أن الأمر الفلاني قبيح منا، فوجب أن يكون قبيحا من الله، فثبت بما ذكرنا أنه إن صح كلام هؤلاء المشبهة في الذات وفي الأفعال لزم القطع بصحة شبهة هؤلاء المشركين، وحيث توافقنا على فسادها على فسادها علمنا أن عمدة المجسمة وكلام المعتزلة باطل فاسد. وأما الشبهة الثانية فلعمري لو كان التقيد حقا لكانت هذه الشهبة لازمة وحيث كانت فاسدة علمنا أن التقليد باطل بقي ههنا أبحاث:
البحث الأولى: أن العجاب هو العجيب إلا أنه أبلغ من العجيب كقولهم طويل وطوال وعريض وعراض وكبير وكبار وقد يشدد للمبالغة كقوله تعالى: * (ومكروا مكرا كبارا) * (نوح: 22).
الثاني: قال صاحب " الكشاف " قرىء عجاب بالتخفيف والتشديد فقال والتشديد أبلغ من التخفيف كقوله تعالى: * (مكرا كبارا) *.
ثم قال تعالى: * (وانطلق الملأ منهم أن أمشوا وأصبروا على آلهتكم) * قد ذكرنا أن لملأ عبارة عن القوم الذين إذا حضروا في المجلس فإنه تمتلئ القلوب والعيون من مهابتهم وعظمتهم، قوله: * (منهم) * أي من قريش انطلقوا عن مجلس أبي طالب بن، بعد ما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجواب العتيد قائلين بعضهم البعض * (أن امشوا واصبروا على آلهتكم) * وفيه مباحث:
البحث الأول: القراءة المشهورة (أن امشوا) وقرأ ابن أبي عبلة امشوا بحذف أن، قال صاحب: " الكشاف " (أن) بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما يجري في المجلس المتقدم، فكان انطلاقهم مضمنا معنى القول، وعن ابن عباس: وأنطبق الملأ منهم يمشون.
البحث الثاني: معنى أن امشوا أنه قال بعضهم امشوا واصبروا، فلا حيلة لكم في دفع أمر محمد، إن هذا لشيء يراد، وفيه ثلاثة أوجه أحدهما: ظهور دين محمد صلى الله عليه وسلم ليس له سبب ظاهر يثبت أن تزايد ظهوره، ليس إلا لأن الله يريده، وما أراد الله كونه فلا دافع له وثانيها: أن الأمر كشئ من نوائب الدهر فلا انفكاك لنا منه وثالثها: أن دينكم لشيء يراد أي يطلب ليؤخذ منكم، قال القفال هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف وكأن معناها أنه ليس غرض محمد من هذا القول تقرير الدين، وإنما عرضه أن يستولي علينا فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد.
ثم قال: * (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) * والملة الآخرة هي ملة النصارى فقالوا إن هذا التوحيد الذي أتي به محمد صلى الله عليه وسلم ما سمعناه في دين النصارى، أو يكون المراد بالمراد بالملة الآخرة ملة قريش التي أدركوا آباءهم عليهم، ثم قالوا: * (إن هذا إلا اختلاق) * افتعال وكذب، وحاصل الكلام من هذا الوجه أنهم قالوا نحن ما سمعنا عن أسلافنا القول بالتوحيد، فوجب أن يكون باطلا، ولو كان القول بالتقليد حقا لكان كلام هؤلاء المشركين حقا، وحيث كان باطلا علمنا أن القول بالتقليد باطل.