يذوقوا عذاب) * فموقعه من هذا الكلام أنه تعالى يقول هؤلاء إنما تركوا النظر والاستدلال لأني لم أذقهم عذابي، ولو ذاقوه لم يقع منهم " إلا الإقبال على أداء المأمورات والانتهاء عن المنهيات وثانيها: أن يكون المراد في قوله؛ * (بل هم في شك من ذكري) * هو أن النبي صلى الله عليه وسلم يخوفهم من عذاب الله لو أصروا على الكفر، ثم أنهم أصروا على الكفر، ولم ينزل عليهم العذاب، فصار ذلك سببا لشكهم في صدقه، وقالوا: * (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) * (الأنفال: 32) فقال: * (بل هم شك من ذكري) * معناه ما ذكرناه، وقوله تعالى: * (بل لما يذوقوا عذاب) * معناه أن ذلك الشك إنما حصل بسبب عدم نزول العذاب والوجه الثاني: من الوجوه التي ذكرها الله تعالى في الجواب عن تلك الشبهة قوله تعالى: * (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) * وتقرير هذا الجواب أن منصب النبوة منصب عظيم ودرجة عالية والقادر على هبتها يجب أن يكون عزيزا أي كامل القدرة ووهابا أي عظيم الجود وذلك هو لله سبحانه وتعالى، وإذا كان هو تعالى كامل القدرة وكامل الجود، لم يتوقف كونه واهبا لهذه النعمة على كون الموهوب منه غنيا أو فقيرا، ولم يختلف ذلك أيضا بسبب أن أعداءه يحبونه أو يكرهونه والوجه الثالث: في الجواب عن هذه الشبهة قوله تعالى: * (أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب) * واعلم أنه يجب أن يكون المراد من هذا الكلام مغايرا للمراد من قوله: * (أم عندهم خزائن رحمة ربك) * يعني أن هذه الأشياء أحد ذكرنا الخزائن أولا على عمومها أردفها بذكر * (ملك السماوات والأرض وما بينهما) * يعني أن هذه الأشياء أحد أنواع خزائن الله، فإذا كنتم عاجزين عن هذا القسم، فبأن تكونوا عاجزين عن كل خزائن الله كان أولى، فهذا ما أمكنني ذكره في الفرق بين الكلامين، أما قوله تعالى: * (فليرتقوا في الأسباب) * فالمعنى أنهم أن ادعوا أن لهم ملك السماوات والأرض فعند هذا يقال لهم ارتقوا في الأسباب واصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يرتقوا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله وينزلوا الوحي على من يختارون، واعلم أن حكماء الإسلام استدلوا بقوله: * (فليرتقوا في الأسباب) * على أن الأجرام الفلكية وما أودع الله فيها من القوى والخواص أسباب لحوادث العالم السفلي لأن الله تعالى سمى الفلكيات أسبابا وذلك يدل على ما قلناه والله أعلم، أما قوله تعالى: * (جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب) * ففيه مقامات من البحث أحدهما: في تفسير هذه الألفاظ والثاني: في كيفية تعلقها بما قبلها أما المقام الأول: فقوله: * (جند) * مبتدأ وما للإيهام كقوله جئت لأمر ما، وعندي طعام ما، و * (من الأحزاب) * صفة لجند و * (مهزوم) * خبر المبتدأ وأما قوله: * (هنالك) * فيجوز أن يكون صفة لجند أي جند ثابت هنالك، ويجوز أن يكون متعلقا بمهزوم معناه أن الجند من الأحزاب مهزوم هنالك، أي في ذلك الموضع الذي كانوا يذكرون
(١٨٠)