والقول الثاني: أن المراد تبديل الذات. قال ابن مسعود: تبدل بأرض كالفضة البيضاء النقية لم يسفك عليها دم ولم تعمل عليها خطيئة، فهذا شرح هذين القولين، ومن الناس من رجح القول الأول قال لأن قوله: * (يوم تبدل الأرض) * المراد هذه الأرض، والتبدل صفة مضافة إليها، وعند حصول الصفة لا بد وأن يكون الموصوف موجودا، فلما كان الموصوف بالتبدل هو هذه الأرض وجب كون هذه الأرض باقية عند حصول ذلك التبدل، ولا يمكن أن تكون هذه الأرض باقية مع صفاتها عند حصول ذلك التبدل، وإلا لامتنع حصول التبدل، فوجب أن يكون الباقي هو الذات. فثبت أن هذه الآية تقتضي كون الذات باقية، والقائلون بهذا القول هم الذين يقولون: إن عند قيام القيامة لا يعدم الله الذوات والأجسام، وإنما يعدم صفاتها وأحوالها.
واعلم أنه لا يبعد أن يقال: المراد من تبديل الأرض والسماوات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم، ويجعل السماوات الجنة، والدليل عليه قوله تعالى: * (كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين) * (المطففين: 18) وقوله: * (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين) * (المطففين: 7) والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (وبرزوا لله الواحد القهار) * فنقول أما البروز لله فقد فسرناه في قوله تعالى: * (وبرزوا لله جميعا) * وإنما ذكر الواحد القهار ههنا، لأن الملك إذا كان لمالك واحد غلاب لا يغالب قهار لا يقهر فلا مستغاث لأحد إلى غيره فكال الأمر في غاية الصعوبة، ونظيره قوله: * (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) * (غافر: 16) ولما وصف نفسه سبحانه بكونه قهارا بين عجزهم وذلتهم، فقال: * (وترى المجرمين يومئذ) *.
واعلم أنه تعالى ذكر في صفات عجزهم وذلتهم أمورا:
فالصفة الأولى: كونهم مقرنين في الأصفاد. يقال: قرنت الشيء بالشيء إذا شددته به ووصلته. والقرآن اسم للحبل الذي يشد به شيئان. وجاء ههنا على التكثير لكثرة أولئك القوم والأصفاد جمع صفد وهو القيد.
إذا عرفت هذا فنقول: في قوله: * (مقرنين) * ثلاثة أوجه: أحدها: قال الكلبي: مقرنين كل كافر مع شيطان في غل، وقال عطاء: هو معنى قوله: * (وإذا النفوس زوجت) * (التكوير: 70) أي قرنت فيقرن الله تعالى نفوس المؤمنين بالحور العين، ونفوس الكافرين بقرنائهم من الشياطين، وأقول حظ البحث العقلي منه أن الإنسان إذا فارق الدنيا، فإما أن يكون قد راض نفسه وهذبها ودعاها إلى معرفة الله تعالى وطاعته ومحبته، أو ما فعل ذلك، بل تركها متوغلة في اللذات الجسدانية مقبلة على الأحوال الوهمية والخيالية، فإن كان الأول فتلك النفس تفارق مع تلك الجهة بالحضرة الإلهية، والسعادة