بالنسبة إلى أقوام معينين، وكونه تعالى تحت أهل الدنيا محال بالاتفاق، فوجب أن لا يكون حاصلا في حيز معين، وأيضا فعلى هذا التقدير أنه كلما كان فوق بالنسبة إلى أقوام كان تحت بالنسبة إلى أقوام آخرين، وكان يمينا بالنسبة إلى ثالث، وشمالا بالنسبة إلى رابع، وقدام الوجه بالنسبة إلى خامس، وخلق الرأس بالنسبة إلى سادس، فإن كون الأرض كرة يوجب ذلك إلا أن حصول هذه الأحوال بإجماع العقلاء محال في حق إله العالم إلا إذا قيل إنه محيط بالأرض من جميع الجوانب فيكون هذا فلكا محيطا بالأرض وحاصله يرجع إلى أن إله العالم هو بعض الأفلاك المحيطة بهذا العالم، وذلك لا يقوله مسلم، والله أعلم.
الحجة الرابعة عشرة: لو كان إله العالم فوق العرش لكان إما أن يكون مماسا للعرش، أو مباينا له ببعد متناه أو ببعد غير متناه، والأقسام الثلاثة باطلة، فالقول بكونه فرق العرش باطل.
أما بيان فساد القسم الأول: فهو أن بتقدير أن يصير مماسا للعرش كان الطرف الأسفل منه مماسا للعرش، فهل يبقى فوق ذلك الطرف منه شيء غير مماس للعرش أو لم يبق؟ فإن كان الأول فالشئ الذي منه صار مماسا لطرف العرش غير ما هو منه غير مماس لطرف العرش، فيلزم أن يكون ذات الله تعالى مركبا من الأجزاء والأبعاض فتكون ذاته في الحقيقة مركبة من سطوح متلاقية موضوعة بعضها فوق بعض، وذلك هو القول بكونه جسما مركبا من الأجزاء والأبعاض وذلك محال، وإن كان الثاني فحينئذ يكون ذات الله تعالى سطحا رقيقا لا ثخن له أصلا، ثم يعود التقسيم فيه، وهو أنه إن حصل له تمدد في اليمين والشمال والقدام والخلف كان مركبا من الأجزاء والأبعاض، وإن لم يكن له تمدد ولا ذهاب في الأحياز بحسب الجهات الستة كان ذرة من الذرات وجزءا لا يتجزأ مخلوطا بالهباآت، وذلك لا يقوله عاقل.
وأما القسم الثاني: وهو أن يقال بينه وبين العالم بعد متناه، فهذا أيضا محال، لأن على هذا التقدير لا يمتنع أن يرتفع العالم من حيزه إلى الجهة التي فيها حصلت ذات الله تعالى إلى أن يصير العالم مماسا له، وحينئذ يعود المحال المذكور في القسم الأول.
وأما القسم الثالث: وهو أن يقال أنه تعالى مباين للعالم بينونة غير متناهية، فهذا أظهر فسادا من كل الأقسام لأنه تعالى لما كان مباينا للعالم كانت البينونة بينه تعالى وبين غيره محدودة بطرفين وهما ذات الله تعالى وذات العالم، ومحصورا بين هذين الحاصرين، والبعد المحصور بين الحاصرين والمحدود بين الحدين والطرفين يمتنع كونه بعدا غير متناه.
فإن قيل: أليس أنه تعالى متقدم على العالم من الأزل إلى الأبد، فتقدمه على العالم محصور بين