قلنا: إن عذاب الآخرة أعظم وأدون من ذلك، فعند سماع هذه القصة يذكرون عذاب الآخرة مؤنبة على عذاب الاستئصال، ويكون ذلك زجرا وتحذيرا.
المسألة الثانية: مذهب الشافعي رضي الله عنه: أن اللواطة توجب الحد. وقال أبو حنيفة: لا توجبه. وللشافعي رحمه الله: أن يحتج بهذه الآية من وجوه: الأول: أنه ثبت في شريعة لوط عليه السلام رجم اللوطي، والأصل في الثابت البقاء، إلا أن يظهر طريان الناسخ، ولم يظهر في شرع محمد عليه الصلاة والسلام ناسخ هذا الحكم، فوجب القول ببقائه. الثاني: قوله تعالى: * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * (الأنعام: 90) قد بينا في تفسير هذه الآية أنها تدل على أن شرع من قبلنا حجة علينا. والثالث: أنه تعالى قال: * (فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) * والظاهر أن المراد من هذه العاقبة ما سبق ذكره وهو إنزال الحجر عليهم. ومن المجرمين، الذين يعملون عمل قوم لوط، لأن ذلك هو المذكور السابق فينصرف إليه، فصار تقدير الآية: فانظر كيف أمطر الله الحجارة على من يعمل ذلك العمل المخصوص، وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب، يدل على كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، فهذه الآية تقتضي كون هذا الجرم المخصوص علة لحصول هذا الزاجر المخصوص، وإذا ظهرت العلة، وجب أن يحصل هذا الحكم أينما حصلت هذه العلة.
* (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جآءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الارض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين) *.
اعلم أن هذا هو القصة الخامسة، وقد ذكرنا أن التقدير: * (وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا) * وذكرنا أن هذه الأخوة كانت في النسب لا في الدين، وذكرنا الوجوه فيه، واختلفوا في مدين. فقيل: أنه اسم البلد، وقيل: إنه اسم القبيلة بسبب أنهم أولاد مدين بن إبراهيم عليه السلام، ومدين صار