نحروها، فلما شاهدوا بعد إقدامهم على نحرها آثار العذاب، وهو ما يروى أنهم احمروا في اليوم الأول، ثم اصفروا في اليوم الثاني، ثم اسودوا في اليوم الثالث، فمع مشاهدة تلك المعجزات القاهرة في أول الأمر، ثم شاهدوا نزول العذاب الشديد في آخر الأمر، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مصرا على كفره غير تائب منه؟
والجواب الأول أن يقال: إنهم قبل أن شاهدوا تلك العلامات كانوا يكذبون صالحا في نزول العذاب، فلما شاهدوا العلامات خرجوا عند ذلك عن حد التكليف، وخرجوا عن أن تكون توبتهم مقبولة.
ثم قال تعالى: * (فتولى عنهم) * وفيه قولان: الأول: أنه تولى عنهم بعد أن ماتوا، والدليل عليه أنه تعالى قال: * (فأصبحوا في دارهم جاثمين فتولى عنهم) * والفاء تدل على التعقيب، فدل على أنه حصل هذا التولي بعد جثومهم. والثاني: أنه عليه السلام تولى عنهم قبل موتهم، بدليل: أنه خاطب القوم. وقال: * (يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) * وذلك يدل على كونهم أحياء من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه قال لهم: * (يا قوم) * والأموات لا يوصفون بالقوم، لأن اشتقاق لفظ القوم من الاستقلال بالقيام، وذلك في حق الميت مفقود. والثاني: أن هذه الكلمات خطاب مع أولئك وخطاب الميت لا يجوز. والثالث: أنه قال: * (ولكن لا تحبون الناصحين) * فيجب أن يكونوا بحيث يصح حصول المحبة فيهم، ويمكن أن يجاب عنه فنقول: قد يقول الرجل لصاحبه وهو ميت وكان قد نصحه، فلم يقبل تلك النصيحة حتى ألقى نفسه في الهلاك، يا أخي منذ كم نصحتك، فلم تقبل وكم منعتك فلم تمتنع، فكذا ههنا، والفائدة في ذكر هذا الكلام إما لأن يسمعه بعض الأحياء فيعتبر به وينزجر عن مثل تلك الطريقة. وإما لأجل أنه احترق قلبه بسبب تلك الواقعة. فإذا ذكر ذلك الكلام فرجت تلك القضية عن قلبه. وقيل: يخف عليه أثر تلك المصيبة، وذكروا جوابا آخر، وهو: أن صالحا عليه السلام خاطبهم بعد كونهم جاثمين، كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام خاطب قتلى بدر. فقيل: تتكلم مع هؤلاء الجيف. فقال: " ما أنتم بأسمع منهم لكنهم لا يقدرون على الجواب ".
* (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) *.