إن كنتم موقنين) * (الدخان: 7) وفي الثانية قال: * (ربكم ورب آبائكم الأولين) * (الشعراء: 26) وفي المرة الثالثة: * (قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) * (الشعراء: 28) وكل ذلك إشارة إلى الخلاقية، وأما فرعون لعنه الله فإنه قال: * (يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى) * (غافر: 36، 37) فطلب الإله في السماء، فعلمنا أن وصف الإله بالخلاقية، وعدم وصفه بالمكان والجهة دين موسى، وسائر جميع الأنبياء، وجميع وصفه تعالى بكونه في السماء دين فرعون وإخوانه من الكفرة. وخامسها: أنه تعالى قال في هذه الآية: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) * وكلمة " ثم " للتراخي وهذا يدل على أنه تعالى إنما استوى على العرش بعد تخليق السماوات والأرض، فإن كان المراد من الاستواء الاستقرار، لزم أن يقال: إنه ما كان مستقرا على العرش، بل كان معوجا مضطربا، ثم استوى عليه بعد ذلك، وذلك يوجب وصفه بصفات سائر الأجسام من الاضطراب والحركة تارة، والسكون أخرى، وذلك لا يقوله عاقل. وسادسها: هو أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه إنما طعن في إلهية الكوكب والقمر والشمس بكونها آفلة غاربة فلو كان إله العالم جسما، لكان أبدا غاربا آفلا. وكان منتقلا من الاضطراب والاعوجاج إلى الاستواء والسكون والاستقرار، فكل ما جعله إبراهيم عليه السلام طعنا في إلهية الشمس والكوكب والقمر يكون حاصلا في إله العالم، فكيف يمكن الاعتراف بإلهيته. وسابعها: أنه تعالى ذكر قبل قوله: * (ثم استوى على العرش) * شيئا وبعده شيئا آخر. أما الذي ذكره قبل هذه الكلمة فهو قوله: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) * وقد بينا أن خلق السماوات والأرض يدل على وجود الصانع وقدرته وحكمته من وجوه كثيرة. وأما الذي ذكره بعد هذه الكلمة فأشياء: أولها: قوله: * (يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا) * وذلك أحد الدلائل الدالة على وجود الله، وعلى قدرته وحكمته. وثانيها: قوله: * (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) * وهو أيضا من الدلائل الدالة على الوجود والقدرة والعلم. وثالثها: قوله: * (ألا له الخلق والأمر) * وهو أيضا إشارة إلى كمال قدرته وحكمته.
إذا ثبت هذا فنقول: أول الآية إشارة إلى ذكر ما يدل على الوجود والقدرة والعلم، وآخرها يدل أيضا على هذا المطلوب، وإذ كان الأمر كذلك فقوله: * (ثم استوى على العرش) * وجب أن يكون أيضا دليلا على كمال القدرة والعلم، لأنه لو لم يدل عليه بل كان المراد كونه مستقرا على العرش كان ذلك كلاما أجنبيا عما قبله وعما بعده، فإن كونه تعالى مستقرا على العرش لا يمكن جعله دليلا على كماله في القدرة والحكمة وليس أيضا من صفات المدح والثناء، لأنه تعالى قادر على أن يجلس