ثم قال تعالى: * (فوقع الحق) * قال مجاهد والحسن: ظهر. وقال الفراء: فتبين الحق من السحر. قال أهل المعاني: الوقوع: ظهور الشيء بوجوده نازلا إلى مستقره، وسبب هذا الظهور أن السحرة قالوا لو كان ما صنع موسى سحرا لبقيت حبالنا وعصينا ولم تفقد، فلما فقدت؛ ثبت أن ذلك إنما حصل بخلق الله سبحانه وتعالى وتقديره، لا لأجل السحر، فهذا هو الذي لأجله تميز المعجز عن السحر. قال القاضي قوله: * (فوقع الحق) * يفيد قوة الثبوت والظهور بحيث لا يصح فيه البطلان كما لا يصح في الواقع أن يصير لا واقعا.
فإن قيل: قوله: * (فوقع الحق) * يدل على قوة هذا الظهور، فكان قوله: * (وبطل ما كانوا يعملون) * تكريرا من غير فائدة!
قلنا: المراد أن مع ثبوت هذا الحق زالت الأعيان التي أفكوها وهي تلك الحبال والعصي، فعند ذلك ظهرت الغلبة، فلهذا قال تعالى: * (فغلبوا هنالك) * لأنه لا غلبة أظهر من ذلك * (وانقلبوا صاغرين) * لأنه لا ذل ولا صغار أعظم في حق المبطل من ظهور بطلان قوله وحجته، على وجه لا يمكن فيه حيلة ولا شبهة أصلا قال الواحدي: لفظة * (ما) * في قوله: * (وبطل ما كانوا يعملون) * يجوز أن تكون بمعنى " الذي " فيكون المعنى بطل الحبال والعصي الذي عملوا به السحر أي زال وذهب بفقدانها ويجوز أن تكون بمعنى المصدر. كأنه قيل بطل عملهم، والله أعلم.
* (وألقى السحرة ساجدين * قالوا ءامنا برب العالمين * رب موسى وهارون) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال المفسرون: إن تلك الحبال والعصي كانت حمل ثلثمائة بعير، فلما ابتلعها ثعبان موسى عليه السلام وصارت عصا كما كانت قال بعض السحرة لبعض هذا خارج عن السحر، بلهو أمر إلهي، فاستدلوا به على أن موسى عليه السلام نبي صادق من عند الله تعالى، قال المتكلمون: وهذه الآية من أعظم الدلائل على فضيلة العلم، وذلك لأن أولئك الأقوام كانوا عالمين بحقيقة السحر واقفين على منتهاه، فلما كانوا كذلك ووجدوا معجزة موسى عليه السلام خارجة عن حد السحر، علموا أنه من المعجزات الإلهية، لا من جنس التمويهات البشرية. ولو أنهم ما كانوا كاملين في علم السحر لما قدروا على ذلك الاستدلال، لأنهم كانوا يقولون: لعله أكمل