فلا جرم قال: * (نصرف الآيات لقوم يشكرون) * وإنما خص كونها آيات بالقوم الشاكرين لأنهم هم المنتفعون بها، فهو كقوله: * (هدى للمتقين) *.
* (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملا من قومه إنا لنراك في ضلال مبين * قال يا قوم ليس بى ضلالة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر في تقرير المبدأ والمعاد دلائل ظاهرة، وبينات قاهرة، وبراهين باهرة أتبعها بذكر قصص الأنبياء عليهم السلام، وفيه فوائد: أحدها: التنبيه على أن إعراض الناس عن قبول هذه الدلائل والبينات ليس من خواص قوم محمد عليه الصلاة والسلام بل هذه العادة المذمومة كانت حاصلة في جميع الأمم السالفة، والمصيبة إذا عمت خفت. فكان ذكر قصصهم وحكاية إصرارهم على الجهل والعناد يفيد تسلية الرسول عليه السلام وتخفيف ذلك على قلبه. وثانيها: أنه تعالى يحكي في هذه القصص أن عاقبة أمر أولئك المنكرين كان إلى الكفر واللعن في الدنيا والخسارة في الآخرة وعاقبة أمر المحقين إلى الدولة في الدنيا والسعادة في الآخرة، وذلك يقوي قلوب المحقين ويكسر قلوب المبطلين. وثالثها: التنبيه على أنه تعالى وإن كان يمهل هؤلاء المبطلين ولكنه لا يهملهم بل ينتقم منهم على أكمل الوجوه. ورابعها: بيان أن هذه القصص دالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، لأنه عليه السلام كان أميا وما طالع كتابا ولا تلمذ أستاذا، فإذا ذكر هذه القصص على الوجه من غير تحريف ولا خطأ، دل ذلك على أنه إنما عرفها بالوحي من الله، وذلك يدل على صحة نبوته.