سحرا لا يطيقه سحرة أهل الأرض إلا أن يكون أمرا من السماء، فإنه لا طاقة لنا به. وروي أنهم كانوا ثمانين ألفا. وقيل: سبعين ألفا. وقيل: بضعة وثلاثين ألفا.
واختلفت الروايات، فمن مقل ومن مكثر، وليس في الآية ما يدل على المقدار والكيفية والعدد.
ثم قال تعالى: * (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك) * يحتمل أن يكون المراد من هذا الوحي حقيقة الوحي. وروى الواحدي عن ابن عباس: أنه قال: يريد وألهمنا موسى أن * (ألق عصاك) *.
ثم قال: * (فإذا هي تلقف ما يأفكون) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: فيه حذف وإضمار والتقدير * (فألقاها فإذا هي تلقف) *.
المسألة الثانية: قرأ حفص عن عاصم * (تلقف) * ساكنة اللام خفيف القاف، والباقون بتشديد القاف مفتوحة اللام. وروي عن ابن كثير * (تلقف) * بتشديد القاف. وعلى هذا الخلاف في طه والشعراء. أما من خفف فقال ابن السكيت: اللقف مصدر لقفت الشيء ألقفه لقفا إذا أخذته، فأكلته أو ابتلعته، ورجل لقف سريع الأخذ، وقال اللحياني: ومثله ثقف يثقف ثقفا وثقيف كلقيف بين الثقافة واللقافة، وأما القراءة بالتشديد فهو من تلقف يتلقف، وأما قراءة بن كثير فأصلها تتلقف أدغم إحدى التاءين في الأخرى.
المسألة الثالثة: قال المفسرون: لما ألقى موسى العصا صارت حية عظيمة حتى سدت الأفق ثم فتحت فكها فكان ما بين فكيها ثمانين ذراعا وابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، فلما أخذها موسى صارت عصا كما كانت من غير تفاوت في الحجم والمقدار أصلا. واعلم أن هذا مما يدل على وجود الإله القادر المختار وعلى المعجز العظيم لموسى عليه السلام، وذلك لأن ذلك الثعبان العظيم لما ابتلعت تلك الحبال والعصي مع كثرتها ثم صارت عصا كما كانت. فهذا يدل على أنه تعالى أعدم أجسام تلك الحبال والعصي، أو على أنه تعالى فرق بين تلك الأجزاء وجعلها ذرات غير محسوسة وأذهبها في الهواء بحيث لا يحس بذهابها وتفرقها وعلى كلا التقديرين، فلا يقدر على هذه الحالة أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
المسألة الرابعة: قوله: * (ما يأفكون) * فيه وجهان: الأول: معنى الإفك في اللغة قلب الشيء عن وجهه، ومنه قيل للكذب إفك لأنه مقلوب عن وجهه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: * (ما يأفكون) * يريد يكذبون، والمعنى: أن العصا تلقف ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزورونه وعلى هذ التقدير فلفظة * (ما) * موصولة والثاني: أن يكون * (ما) * مصدرية، والتقدير: فإذا هي تلقف إفكهم تسمية للمأفوك بالإفك.