اعلم أنه تعالى لما بين إزاحة العلة بسبب إنزال هذا الكتاب المفصل الموجب للهداية والرحمة، بين بعده حال من كذب فقال: * (هل ينظرون إلا تأويله) * والنظر ههنا بمعنى الانتظار والتوقع.
فإن قيل: كيف يتوقعون وينتظرون مع جحدهم له وإنكارهم؟
قلنا: لعل فيهم أقواما تشككوا وتوقفوا، فلهذا السبب انتظروه وأيضا إنهم وإن كانوا جاحدين إلا أنهم بمنزلة المنتظرين من حيث إن تلك الأحوال تأتيهم لا محالة، وقوله: * (إلا تأويله) * قال الفراء الضمير في قوله: * (تأويله) * للكتاب يريد عاقبة ما وعدوا به على ألسنة الرسل من الثواب والعقاب. والتأويل مرجع الشيء ومصيره من قولهم آل الشيء يؤول وقد احتج بهذه الآية من ذهب إلى قوله: * (وما يعلم تأويله إلا الله) * (آل عمران: 7) أي ما يعلم عاقبة الأمر فيه إلا الله وقوله: * (يوم يأتي تأويله) * يريد يوم القيامة، قال الزجاج: قوله: * (يوم) * نصب بقوله: * (يقول) * وأما قوله: * (يقول الذين نسوه من قبل) * معناه أنهم صاروا في الإعراض عنه بمنزلة من نسيه، ويجوز أن يكون معنى * (نسوه) * أي تركوا العمل به والإيمان، به وهذا كما ذكرنا في قوله: * (كما نسوا لقاء يومهم هذا) * (الأعراف: 51) ثم بين تعالى أن هؤلاء الذين نسوا يوم القيامة يقولون: * (قد جاءت رسل ربنا بالحق) * والمراد أنهم أقروا بأن الذي جاءت به الرسل من ثبوت الحشر، والنشر، والبعث، والقيامة، والثواب، والعقاب، كل ذلك كان حقا، وإنما أقروا بحقيقة هذه الأشياء لأنهم شاهدوها وعاينوها، وبين الله تعالى أنهم لما رأوا أنفسهم في العذاب قالوا: * (هل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل) * والمعنى إنه لا طريق لنا إلى الخلاص مما نحن فيه من العذاب الشديد إلا أحد هذين الأمرين. وهو أن يشفع لنا شفيع فلأجل تلك الشفاعة يزول هذا العذاب أو يردنا الله تعالى إلى الدنيا حتى نعمل غير ما كنا نعمل يعني نوحد الله تعالى بدلا عن الكفر ونطيعه بدلا عن المعصية.
فإن قيل: أقالوا هذا الكلام مع الرجاء أو مع اليأس؟ وجوابنا عنه مثل ما ذكرناه في قوله: * (أفيضوا علينا من الماء) * (الأعراف: 50) ثم بين تعالى بقوله: * (قد خسروا أنفسهم) * أن الذين طلبوه، لا يكون لأن ذلك المطلوب لو حصل لما حكم الله عليهم بأنهم قد خسروا أنفسهم.
ثم قال: * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * يريد أنهم لم ينتفعوا بالأصنام التي عبدوها في الدنيا